بلفور وتداعياته الكارثية .. من هم الهمج نحن ام هم؟ (الحلقة الخامسة)
سعيد مضية

2017-08-28

بلفور وتداعياته الكارثية .. من هم الهمج نحن ام هم؟

(الحلقة الخامسة)

سعيد مضية

عربدة الهمجية بمنأى عن القانون والمبادئ والأخلاق

حيال التفتت في الحركة الوطنية العربية وغياب وحدة الاستراتيجيا بات في يقين بن غوريون وحاشيته أن الترحيل الإجباري لأكبر عدد من العرب أصبح الآن خطوة ضرورية للحصول على "دولة يهودية حقيقية"، "وأي تردد من طرفنا حول أهمية عملية الترحيل، او أي شك من جهتنا في إمكان تحقيقها، او أي حيرة في عدالتها ستجعلنا على الأرجح نخسر فرصة تاريخية لن تتكرر."  [ بابيه 2007/28 الترجمة العربية]. كان قد دون في مذكراته عام 1941 "من الصعب تصور عملية  ترحيل تامة بدون إكراه، وإكراه وحشي من اجل ذلك". طالما الطرف المقابل لا يمتلك المصد فما من قيم خلقية او معايير إنسانية أو قوانين دولية تعترض الزعيم الصهيوني في تنفيذ خطته. وبالفعل نزلت حرب التطهير العرقي في فلسطين كارثة إكراه وحشي. دعا دائرته الضيقة الى اجتماع في مبنى الهستدروت، حيث وضعت خطة تدبير مذابح بين سكان القرى العربية، من شانها ان تضطرهم على هجرات جماعية خارج فلسطين. يسرد الكتاب بتفاصيل موثقة حيثيات الحرب التي أعد لها بن غوريون عدتها، ووضع خطتها في ما عرف بخطة دالت. طرح الخطة على دائرة مصغرة في اجتماع عقد بمقر الهستدروت، أقرت جملة مذابح في عدد من القرى بهدف إرهاب سكان بقية القرى ودفعهم للرحيل]. 

مباشرة بعد صدور قرار التقسيم في 28نوفمبر 1947، شرع بن غوريون ولجنته الاستشارية يتجاهلون حدود التقسيم. حقا كما وعد بن غوريون اتخذ الهجوم الطابع الوحشي. نورد مقتطفات من كتاب المؤرخ إيلان بابه، والمقتطفات لا تغني عن مطالعة الكتاب حتى ندرك حجم الجريمة المخطط لها بدقة وتصميم. "لدى مهاجمة قرية الخصاص الصغيرة ذات المركز الاستراتيجي في 18 كانون أول /ديسمبر 1947 راقب مراسل نيويورك تايمز نسف البيوت على أصحابها وهم نيام، فأصيب بالصدمة ، وتوجه إلى القيادة العسكرية يستفسر. أنكروا في البداية، ولدى إصرار المراسل اضطروا للاعتراف بوقوعها. وأصدر بن غوريون اعتذارا علنيا دراميا مدعيا أن العملية لم يكن مصادقا عليها. لكن بعد نيسان 1948 أدرجت ضمن العمليات الناجحة 

 مباشرة جرى تنفيذ خطة التهجير بدون تردد او معارضة. جميع أنصار بن غوريون متحمسون للخطة التي اطلق عليها " دالت". وبموجب الخطة " في جلسة للجنة الاستشارية(لبن غوريون)، وهي الوحيدة التي سجل محضر لها حفظ في أرشيف الهاغاناه، اقترح فايتس خطة لترحيل الفلسطينيين من المناطق المنوي احتلالها. " غادر فايتس الجلسة وبيده إذن بإنشاء زمرة تابعة له تحت الاسم ’لجنة الترانسفير'؛ وأتى إلى الاجتماع التالي وبيده خطة تنفيذ الترانسفير(13/73).

في هذا السياق كتب المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "كان السبب الرئيس لهروب الفلسطينيين بصورة جماعية هو الهجمات العسكرية اليهودية. في كل لحظة كان الخروج (الهرب الجماعي) هو النتيجة المباشرة والفورية لأي هجوم او غزو على المدن والأحياء السكنية العربية أو احتلالها"(12).

ينقل المؤرخ بابه باستغراب طقوسا رافقت عمليات التطهير. في أثناء تطهير القطمون بدأ النهب والسرقة، وشارك فيهما المواطنون والجنود. اقتحموا البيوت وأخذوا الأثاث والملابس والأدوات الكهربائية والأطعمة. ومع ذلك لا يفتأون يرددون أن العرب بدائيون، جهلة ومتوحشون!!" (13/111) أتقن الجنود عمليات التهديم التام لبيوت كل قرية يفرغون من تصفية الوجود السكاني فيها. "البكاء بصوت مرتفع بينما هم منهمكون في قتل وطرد أناس أبرياء كان واحدا من التكتيكات للتعامل مع المضامين الأخلاقية لخطة دالت(13/122).

إلى جانب الأساليب المتبعة لم يغب عن المخطط الصهيوني ادعاء دور الضحية والاستغاثة بالرأي العام العالمي. رسم قادة المجتمع في العلن سيناريوهات مرعبة، وفي نفس الوقت راحوا "يحذرون جمهورهم من’ محرقة ثانية'" وشيكة!! (13/56) الحيلة تكررت فمع كل جريمة اقترفت في مجرى الاستيلاء على الأرض وتشييد البناء الاستيطاني. ادعاء دور الضحية والتمثل بحدث تجلى فيه الغدر، أحد بنود الثقافة الصهيونية.

الرغبة في الاضطهاد تحيل المقهور في نظر القاهر شيئا بلا قيمة، مجرد إحدى عوارض الطبيعة التي يجب إزالتها. يؤكد النية المبيتة منذ أكثر من عقد من الزمان أن الصندوق القومي اليهودي أعد سجلا ديموغرافيا شمل معلومات مفصلة عن القرى مع دراسات اجتماعية لطبيعة كل قرية. المشروع مؤشر إلى نوايا التهجير التي أخذت تتبلور في أذهان القيادة الصهيونية منذ ثلاثينات القرن العشرين. ونفذ مشروع المخططات الطوبوغرافية بصورة سرية عن سلطات الانتداب. لم يعلن عن المختبر إلا عام 1947، حين نقل إلى دائرة رسم الخرائط ."تضمن ملف كل قرية تفصيلات دقيقة عن موقعها الطوبوغرافي وطرق الوصول إليها ونوعية أراضيها، والينابيع ومصادر الدخل الرئيسية وتركيبتها الاجتماعية ـ الاقتصادية والانتماءات الدينية لسكانها، وأسماء المخاتير، والعلاقات بالقرى الأخرى، وأعمار الرجال ( 16ـ 50 عاما)ومعلومات أخرى كثيرة (...)  ولدى احتلال قرية عين الزيتون أحضروا مخبرا مغطى الرأس؛ أخذ يتمعن في الرجال المصفوفين في ساحة القرية، وتم التعرف على الأشخاص الذين كتبت أسماؤهم في القائمة المعدة سلفا والتي أحضرها ضباط الاستخبارات معهم. ومن ثم أخذ الرجال إلى مكان آخر وأعدموا(13/123). كلف فيما بعد المهندس هانس ليبرخت بتحويل مجرى نبع عن القرية إلى معسكر للجيش وقال أنه أثناء العمل وجد جثث عدد من النساء والأطفال الرضع بين الأنقاض بالقرب من الجامع الحالي، وقام الجيش بإحراق الجثث. تظهر وثائق الجيش أن الذين أعدموا في القرية يبلغ سبعين شخصا.(13/124). وتكرر المشهد في قرى أخرى كثيرة.

وتكرر في يافا ما حصل في ضاحية القدس، القطمون، هجمت جموع النهب والقتل. بعد مرور شهرين على احتلال يافا اكتشف مندوبو الصليب الأحمر كومة من الجثث، فطلبوا عقد اجتماع عاجل مع الحاكم العسكري في يافا الذي اعترف لمندوب الصليب الأحمر، السيد غوي، بأن أصحابها ربما قتلهم جنود اسرائيليون (13/232). كتب حاكم يافا العسكري، اسحق تشيزيك، إلى وزير المالية أنه لم يعد قادرا على السيطرة على أعمال النهب؛ واستمر في الاحتجاج؛ لكنه عندما شعر في نهاية تموز أن احتجاجاته يتم تجاهلها قدم استقالته... وفي واحد من تقاريره لم يشطبه الرقيب كما يجب ، نجد تشيزيك متفاجئا من وحشية الجنود غير المحدودة: "إنهم لا يكفون عن ضرب الناس "(13/233)

واستدعى حاكم عسكري حيفا أعيان العرب، وكثير منهم شيوعيون . كانوا يمثلون 3000ـ 5000 نسمة بقوا في حيفا بعد رحيل حوالي سبعين ألفا. أمهلهم الحاكم مدة أيام أربعة كي يبلغوا الأهالي بالانتقال من أماكن سكنهم في أطراف المدينة إلى حي وادي النسناس. اعترض توفيق طوبي وأنهى احتجاجه بالقول "نطالب أن يبقى الناس في بيوتهم". واحتج بولس فرح ووصف الخطوة بأنها حقا حصر فلسطينيي حيفا في غيتو". (13/235). أما الحاكم العسكري فقد أصر على مطلبه.

قدمت أعمال الإبادة والتدمير أثناء الحرب خدمة ثقافية للحركة الصهيونية ، فقد أدت إلى توحش  اليهود وشحنتهم بثقافة الكراهية. في بداية الاشتباكات في يافا توجه إلى منزل بن غوريون وفد من الموظفين يشكون من تغير موقف الهاغاناه من يافا، إذ تم الاتفاق على تعايش يافا وتل أابيب، وأن الجنود يبطشون بالعرب دون أن يصدر عنهم أي استفزاز ويسرقون العرب ويصادرون الأملاك ويطلقون النار بقصد الإرهاب؛ وكتب بن غوريون في مذكراته أن احتجاجات مماثلة وردته من بيتاح تكفيا وريشون لتسيون ورحوفوت وغيرها. "غير أن شهرا واحدا من تلك الممارسات العنفية أعقبه توحيش عام؛ الجميع راحوا يشاركون في ممارسات مماثلة. نفس الموظفين الذين اشتكوا طالبوا يجب أن نضرب يافا بكل وسيلة ممكنة"(13/76).

يذكر المؤرخ أن غولدا مائير قد زارت حيفا بعد تهجير سكانها، " وجدت من الصعب عليها أن تكبت إحساسا بالرعب عندما دخلت البيوت، حيث الطعام المطبوخ ما زال على الطاولات، والألعاب والكتب التي تركها الأطفال على الأرض، وحيث بدت الحياة كأنها تجمدت مرة واحدة.. ذكرتها بطفولتها حين هربت عائلتها من روسيا، والقصص التي سمعتها من عائلتها عن الوحشية الروسية ضد اليهود قبل عقود"(13/275). ثم مضت الأمور واستساغت غولدا مائير سفك الدم الفلسطيني، لتجهر بالسؤال العنصري المشحون بعربدة القوة "أين هو الشعب الفلسطيني؟".

في 24 أيار 1948انعقدت جلسة اللجنة الاستشارية، "بدا بن غوريون في مدونته بعد 24 أيار مبتهجا بالنصر شرها إلى السلطة أكثر من أي وقت مضى: يجب إقامة دولة مسيحية في لبنان يكون حدها الجنوبي نهر الليطاني...عندما نحطم قوة الفيلق ونقصف عمان سنقضي أيضا على (قوة) شرقي الأردن، وعندها تسقط سوريا . وإذا تجرأت مصر على مواصلة القتال سنقصف بورسعيد والاسكندرية والقاهرة (13/156).

ثم راودته أفكار نقض الاتفاق مع الأردن والاستيلاء على الضفة الغربية . "انطلقت عملية يتسحق في 1حزيران لاحتلال طولكرم وجنين وقلقيلية والاستيلاء على جسور الأردن؛ لكن الكتيبة العراقية نجحت في الدفاع عنها ( 177:13).

وأفصح عن رغبته في احتلال نابلس. ينقل يتسحق غرينباوم الذي شيسغل فيما بعد منصب وزير الداخلية أنه أشار على بن غوريون،" سيكون من المستحيل أن نفعل هناك ما فعلناه من تطهير عرقي. إذا قمنا باحتلال أمكنة مثل نابلس فسيطالبنا العالم اليهودي بالاحتفاظ بها وسنكرر أعمال الطرد الجماعية(13/220).

 شموئيل لاهيس أعدم خمسة وثلاثين شخصا ؛ أحيل إلى المحاكمة وأصبح لاحقا المدير العام للوكالة اليهودية. اما القائد العسكري دوف يرمياهو، الذي شارك في التطهير العرقي ما بين أيار ويوليو 1948، فكان واحدا من الذين راعهم ما أدركوه لاحقا من عمليات أدت إلى التطهير. شرع في الاحتجاج بشدة ضد الأعمال الوحشية التي كان يشاهدها، أو يسمع بها؛ وكان هو من قدم لاهيس إلى المحاكمة، وحكم على لاهيس بالسجن سبعة أعوام؛ لكن رئيس الدولة عفا عنه على الفور تقريبا وأعتقه، وارتقى لاحقا إلى مناصب عليا في الحكومة " (13/220). احتلت مدينتا أسدود والمجدل في تشرين ثاني وطرد عدة آلاف من سكانهما في كانون أول 1949... كرس شهر كانون أول لتطهير النقب. سمح لألف فرد من قبيلة الترابين بالبقاء وطرد الباقي. شطرت قبيلة التياهة إلى قسمين أحدهما شرد إلى غزة والثاني في اتجاه الأردن. طردت قبيلة العزازمة وعادت ثم طردت ثانية في خريف 1948 وبذا شرد تسعون بالمائة من بدو النقب. 

بعد أن هدأت المعارك شرع العسكر تنظيم وتنفيذ حملات تفتيش ومداهمة؛ راحت تعتقل وتكدس المعتقلين في أماكن ضيقة وتسومهم العذاب، وأحيانا القتل. "شرعت قوات الاحتلال تفتش البيوت بحثا عن مختبئين كي تعتقلهم او تطردهم. وكانت التهمة الأسوأ عدم الحصول على بطاقة هوية من البطاقات التي أصدرتها السلطات حديثا. كان هؤلاء يرحّلون فورا لأقرب مركز اعتقال. وفرض على كل من ينتقل من موقع سكنه إلى مكان العمل أو لزيارة أقارب، الحصول عل تصريح خاص تحت طائلة الاعتقال، ولو أنه كان يحمل البطاق (13/229).

أخضعت مراكز الاعتقال لحراسة جماعة الأرغون وشتيرن، وكانوا لا يتورعون عن القتل لأتفه الأسباب. " ... أدين ضابط سابق في الهاغاناه يدعى بشكا شيدمي، بقتل سجينين فلسطينيين؛ وهو نفسه الذي قاد حملة كفر قاسم عام 1956، وأمر بقتل تسعة وأربعين من سكانها... وتكشف قضيته عن سمتين ما زالتا موجودتين حتى الآن: من يدانون بارتكاب جرائم ضد العرب من الأرحج أن يستمروا في شغل وظائف ذات تأثير كبير في حياة الفلسطينيين؛ والثانية أن لا يحاكمون على جرائمهم... كتب ضابط في الجيش أقلقه ما شاهده في معسكرات الاعتقال " إن السلوك البربري الوحشي الذي تكشف عنه هذه الحالات يقوض الانضباط العسكري (13/230). فما أقلق الضابط هو انضباط الجيش وليس المصير الأسود للضحايا. شهادة سجلها محمد نمر الخطيب لأحد المعتقلين: "كنا ثلاثمائة رجل والقبو لا يتسع لنا ونحن وقوف مهما التصقنا ببعضنا. (...) بقينا على هذه الحال ثلاثة أيام كاملة، لم نذق فيها شيئا من الطعام (..)؛ من هنا أبت على الصهاينة ديمقراطيتهم إلا إشباع الرؤوس المرفوعة ضربا وتنكيلا، فسرى الدم وسال وتلطخت الثياب (..) وصلنا المعسكر الجديد ، وإذا هو بقايا قرية عربية محتلة هي أم خالد. (13/231). 

حالات عديدة من اغتصاب النساء بصورة جماعية، أو بصورة فردية ... بدت حوادث الاغتصاب ظاهرة مؤرقة للأسر المتبقية في قراها ومدنها. "كان بن غوريون يسمع ويكتفي بتسجيلها في يومياته (13/238). وحادثة اغتصاب أخرى جرت في ذلك الحين ونشرت عنها صحيفة هآرتس في 29 تشرين أول 2003، اثنان وعشرون جنديا شاركوا في عملية اغتصاب بربرية اختتمت بالقتل. "كان أقسى حكم أنزل بالمعتدين سنتا سجن لمن قتل الفتاة"(13/238). وسجلت الحادثة في مذكرات بن غوريون.

ضمن نهج محو الثقافة العربية ولشطب كل اثر للعرب في فلسطين، أدخل تحت إشراف الكيرن كايميت، في العام 1949 "لجنة إعادة التسمية"، المشكلة في عشرينات القرن الماضي وغدت احد فروع الكيرن كايميت. وتم الاستفادة من خبرات علماء آثار وحقوقيين وإنجيليين؛ حتى الإشارات على الطرق جرى تبديلها بإشارات تحمل أسماء عبرية.

في العام 1949 راجت خرافة زعمت أن فلسطين لدى وصول الصهاينة ضمت عددا ضئيلا من السكان العدوانيين والمتخلفين البدو. ولا يدرس اطفال المدارس اليهود داخل إسرائيل وفي الخارج سوى الثقافة اليهودية والتراث اليهودي. ووصف مكتب التراث العالمي باليونيسكو تصرفات إسرائيل في هذا السياق بانها"جرائم ضد التراث الثقافي للبشرية". وثق ذلك راز كلينر في كتابه " تزييف التاريخ صناعة علم الآثار  الإسرائيلية".

بوحي من روح بلفور

يورد الكاتب  الصحفي الإيرلندي، ديفيد كرونين، الذي استعرضه روبرت فيسك، ان مذبحة مئات الفلسطينيين من قرية دير ياسين قد اقترفت بينما كان آلاف الجنود البريطانيين يرابطون في البلاد. وجد كرونين من تحرياته في الوثائق الكولنيالية البريطانية ان الجيش البريطاني قد كذب بصدد "تطهير" حيفا؛ حيث لم يقدم أي حماية للعرب، وهي سياسة اتبعت في عموم فلسطين، "باستثناء شجاعة الميجر ديريك كوير وجنوده، حيث بفضل دفاعهم عن العرب في يافا نال وسام الصليب العسكري، (على الرغم من ان كرونين  لم يورد ذلك في كتابه)". يقول فيسك: "وكوبر الذي تعرفت عليه أثناء وجوده في بيروت يعالج الجرحى الفلسطينيين عام 1982 لم يسامح حكومته  لغدرها وعدم امانتها في نهاية انتدابها على فلسطين".

تكمن قيمة كتاب كرونين، كما يقول فيسك، في البحث اللاحق حول مساندة بريطانيا لإسرائيل واستمرار تقديم شحنات الأسلحة لجيشها وتواطئها معها في العدوان الثلاثي على السويس. وفي تلك الأثناء اقترفت إسرائيل مجزرة في مخيم خانيونس عام 1956، سقط فيه، حسب إحصاءات الأمم المتحدة، 275 فلسطينيا من لاجئي نكبة العام 1948. وفي عام 1972 جزم هارولد ويلسون ، رئيس الوزراء العمالي، ليس واقعيا على الإطلاق طلب الانسحاب الإسرائيلي من أراض احتلتها عام 1967، وأضاف "أن رد فعل إسرائيل طبيعي وفي محله إذ رفضت دولة للفلسطينيين".

وقبل ذلك الزمن، كما أفاد كرونين، وحتى قبل خروج بريطانيا من فلسطين كان اتلي ومجلس وزرائه من حزب العمال يناقشون خطة من شأنها ان تفضي إلى " تطهير عرقي" لعشرات آلاف الفلسطينيين. وفي العام 1944 ورد في بيان أصدره حزب العمال البريطاني "علينا تشجيع العرب على الهجرة بينما يدخل اليهود إلى فلسطين." وفي العام 1948 أعلن حزب العمال، وكان يقود الحكم، ليس لديه السلطة لمنع تدفق الأموال من لندن إلى الجماعات اليهودية في فلسطين، التي ستكمل خلال عام  مهمة "التطهير العرقي"، وهي العبارة الدارجة في هذا الوقت منذ أن جعلها إيلان بابه (الذي، ويا للمفارقة، يعيش حاليا منفيا من بلاده إسرائيل) عنوان كتابه".

سمحت بريطانيا بحدوث تطهير عرقي جرى تحت سمع وبصر جنودها وموظفيها .. كما أعاقت جهود الأمم المتحدة للتدخل بطريقة كان من الممكن أن تؤدي إلى إنقاذ كثيرين من الفلسطينيين.

اما الأمم المتحدة فلا يمكن تبرئتها من ذنب التخلي بعد 15 أيار عن الشعب الذي قررت تقسيم أرضه وسلمت أرواحه وأرزاقه إلى اليهود. وفي وقت لاحق غض المراقبون من الأمم المتحدة النظر عن عمليات التهجير. ومن المتعذر تفسير لماذا لم تبحث الأمم المتحدة قط في مسألة الوضع القانوني لإسرائيل في المناطق المخصصة للدولة العربية عندما أظهر المجتمع الدولي لفترة وجيزة اهتماما بمصير فلسطين بعد الانتداب وبمصير سكانها الأصليين. (13/203).

و"تحت بصر مراقبي الأمم المتحدة الذين كانت دورياتهم الجوية تحوم في سماء الجليل بدأت المرحلة النهائية من عملية التطهير العرقي في تشرين اول / أكتوبر 1948، واستمرت حتى صيف 1949. لم يكن بقدرة أي امرئ أن لا يرى جموع الرجال والنساء والأطفال، وهم يتدفقون يوميا نحو الشمال. وكانت النساء والأطفال المرهقون العنصر الطاغي في هذه القوافل البشرية، إذ غاب الشبان بالقتل أو الاعتقال . قلوبهم تحجرت ؛ وإلا كيف نفسر القبول الصامت بمثل هذا الترحيل الجماعي القسري، الذي كان يجري تحت سمعهم وبصرهم ... وظلت الأمم المتحدة تتبنى بلا إبهام لغة أبا إيبان، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، الذي كان يتحدث عن اللاجئين كأنهم "مشكلة إنسانية" لا يمكن اعتبار أحد مسئولا عنها أو محاسبته عليها (13/218).
وفيما بعد قدمت كاثلين كريستيسن، وهي محللة اخبار سابقة في الاستخبارات المركزية الأميركية شهادتها على التحيز البريطاني للعدوان الإسرائيلي. في معرض للفن الفلسطيني بإحدى المدن الأميركية ورعاه الزوجان بيل وكاثلين كريستيسن. اوردت كاثلين إن دراسة متعمقة في معالجة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي قد اظهرت تشوهات للحقيقة. اهتمت الدراسة بالمحتوى وبتأثير التغطية الإعلامية على مدارك المتلقين ومواقفهم. نشرت الدراسة في كتاب عنوانه "انباء سيئة من إسرائيل" وأجراها اثنان من باحثي جامعة غلاسكو. وفي مقالة حول الكتاب كتب تيم لليولين، مراسل سابق لهيئة الإذاعة البريطانية أن تغطية الإذاعة والتلفزيون البريطانيين للانتفاضة كانت بصورة رئيسية "غير امينة من حيث المفاهيم، والمقاربة والتنفيذ". أيد للويلين،  نتائج الدراسة بناء على خبرته كمراسل، حيث ان "لغة المذيع تحابي جنود الاحتلال، وعرضت الشعب المحتل قبائل معادية غريبة تهدد بقاء إسرائيل، وليس العكس".

ولكاثلين كريستيسن شهادة اخرى بصدد التحيز الإعلامي  الغربي. ففي مقال مطول نشرته بمجلة كاونتر بانش أفادات أن الصحافة الأميركية وصحافة الغرب دأبت على إغفال اخبار عمليات جيش الاحتلال في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة أثناء عمليات العنف التي استدرجت إليها فصائل فلسطينية 2000-2001، وأطلق عليها الانتفاضة الثانية. لكن الصحافة ومنابر الإعلام نشرت على صفحات بارزة اخبار التفجيرات الانتحارية التي نفذت بإيعاز من فصائل فلسطينية. تواصل السيناريو حتى تفجيرات نيويورك، وبذلك ساد الانطباع أن مشكلة الشرق الأوسط هي امن إسرائيل حيال الإرهاب الفلسطيني. ولما حدثت تفجيرات نيويورك، واعلن الحرب  ضد الإرهاب وضع شارون إسرائيل في معسكر الضحية ووضع المقاومة الفلسطينية ضد المحتل في معسكر الإرهاب. استمر الوضع المقلوب حتى العدوان الهمجي على لبنان صيف 2006 ثم مسلسل العدوان على غزة وآخر حلقاته  أواخر 2014 وبداية 2015. ساهمت الدعاية البريطانية والأميركية في التضليل وقلب الحقائق.

ألان هارت صحافي بريطاني ألف عام 2005 كتاب "الصهيونية العدو الحقيقي لليهود" وهو ثمرة تجربته الصحافية في دهاليز الشرق الأوسط التي استمرت أربعة عقود اوصلته الي استنتاج أساسي ان الإعلام الغربي برمته منحاز لصالح الفكر الصهيوني وان ذلك نتيجة للأساطير التي تروجها الصهيونية من جهة والى الجهل بالحقائق التاريخية من جهــــة أخري.

كما استنتج هارت ان الصهيونية هي ما ستؤدي باليــــــهود الي الهاوية. كان من أول الصحافيين الذين سجلوا لغولدا مائير أول مقابلة على الهواء في برنامج بانوراما الخاص بالإذاعة البريطانية في عام 1971 رددت فيه مقولاتها الشهيرة التي تستنكر عبرها وجود شعب فلسطيني حيث قالت لا يوجد شيء اسمه فلسطين. يتذكر الان هارت هذه الحادثة بشكل خاص لأن غولدا مائير تركت له رسالة على شكل وصية مع معاوِنتها الخاصة لتعلم ألان هارت بها بعد موتها حيث أبلغته هذه المعاونة: أن غولدا مائير طلبت مني أن أعطيك هذه الرسالة وأكدت علي أن أعدها بأنني لن أدلي بها إلا بعد موتها فطلبت مني أن أقول لك انها بعد أن عبرت عن رأيها في تلك المقابلة الشهيرة، شعرت أن ما أدلت به هو أغبي شيء قالته في حياتها .

ويهدف هارت عبر اعترافه بعلاقة طيبة مع غولدا مائير التي يعتبرها من أصدقائه رغم خلافه معها في الرأي عدة مرات وعبر علاقاته مع أشخاص مثل شلومو غازيت الذي يعتبره من أحد أصدقائه ان يبين ان الفكر الصهيوني مبني علي أساطير كما وضح له شلومو غازيت حيث قال له يوما إن "المشكلة فينا نحن الإسرائيليين هي أننا أصبحنا ضحايا للدعاية التي نروجها عن أنفسنا". كما يريد الان هارت عبر ذلك أن يوضح أنه ليس من أعداء اليهود بل صديق لبعضهم وذلك لتفادي الوقوع بفخ الاتهام بأنه من دعاة اللاسامية مركزا علي ضرورة التمييز بين اللاصهيونية واللاسامية.

وعبر دخوله في كواليس التاريخ بدءا بقصة غولدا مائير وانتهاء بمشروع خريطة الطــــريق الذي يسميه الان هارت خريطة الطريق إلي طريق مسدود ومرورا بمجموعة من الفصول الخاصة بمراحل مختلفة من تاريخ الدولة الصهيونية وحروبها مع العرب وبفصول أخري حول دور جمال عبد الناصر ومواجهته لأيزنهاور أو مع شاريت، ويخصص الان هارت ايضا فصولا عديدة حول السياستين البريطانية والأمريكية ودعمهما للصهيونية مبينا كيف خضعت السياسة الأمريكية منذ عهد الرئيس ترومان للحركة الصهيونية.

غنائم الحرب

قدر دافيد هوروفيتس، رئيس بنك إسرائيل وعضو اللجنة، القيمة الإجمالية للأملاك التي تركها العرب، بمائة مليون جنيه فلسطيني. وتساءل شطريت بسذاجة عن مصير الأراضي المزروعة، وهذه لا يمكن بيعها بموجب القانون الدولي .. تابع فايتس عن كثب كل عملية استيلاء في المناطق الريفية سواء شخصيا أو من خلال نائبه المخلص يوسف نحماني (13/240). فاقم من قلق شطريت أن الأرض التي سوف تصادر أكثر بثلاثة أضعاف من المليون دونم كان قد قدرها ... استعجل بن غوريون محو آثار العرب تماما قبل أن تنتبه دول العالم وتفرض عليه عقوبات؛ شكل لجنة من دانين وفايتس، وخولهما اتخاذ القرارات اللازمة بالتدمير والمصادرة (13/241). اعترض شاريت وكابلان على مصادرة الأراضي، فأوعز بن غوريون لهيئة شبه سرية لتشجيع المهاجرين من أوروبا ومن البلدان العربية على الاستيلاء على البيوت المتروكة في البلدات والمدن، وعلى بناء المستعمرات على أنقاض القرى التي طرد سكانها(13/242).

وجد الصندوق القومي اليهودي نفسه مضطرا للدخول في منافسة بشأن توزيع غنائم الحرب . وكسب المعركة في نهاية المطاف. استولت إسرائيل على 3,5مليون دونم من الأراضي في الريف الفلسطيني (13/242).

عرف أنه في أعقاب صدور قرار الأمم المتحدة رقم 194 في 11كانون أول 1948، والذي يقضي بعودة غير مشروطة للاجئين، فإن استيلاء إسرائيل رسميا وقانونيا على الأراضي من شأنه أن يسبب مشكلات لها (13/243). تم اللجوء إلى شعوذات قانونية تزعم أنه لم يتخذ قرار نهائي بعد، وبات بالإمكان تمليك الأرض بصورة تكتيكية للجيش أو الحركة الكيبوتسية أو الصندوق القومي. في هذه العملية المصطنعة كان البائع هو القيم على أملاك الغائبين. وجد الصندوق نفسه أمام منافسة شرسة؛ لكنه حقق إنجازا لا يستهان به؛ إذ اشترى تقريبا جميع أراضي القرى المدمرة مع بيوتها. باع القيم مليون دونم بسعر بخس ثم عاد وباع ربع مليون دونم (13/243).

صادرت إسرائيل جميع الأوقاف. ولم تسلم الكنائس المسيحية داخل القرى. دائرة الاستيطان في الصندوق القومي هي التي قررت تسوية القرى المدمرة بالأرض وبناء مستعمرات على أنقاضها أو زراعة أشجار حرجية(13/248). شرعوا عام 1953 يقرون القوانين التي تخولهم استملاك الأراضي: قانون الصندوق القومي منح مكانة كمالك للأرض نيابة عن الدولة, وقانون أراضي إسرائيل، وقانون سلطة أراضي إسرائيل، والأخيران تم إقرارهما عام 1960(13/249). وأقر الكنيست قانون الاستيطان الزراعي عام 1967، بموجبه منع تأجير الأراضي التي يملكها الصندوق لغير اليهود. "والهدف منع الفلسطينيين من استعادة ملكيتهم لأراضيهم أو أراضي شعبهم ... وقد اضطرت الأقلية العربية ونسبتها 17% من السكان إلى تدبير أمرها ب 3% من الأرض فقط خصص منها للزراعة واحد بالمائة واثنان بالمائة للسكن(13/250).

إسرائيل معنية بمحو آثار جريمتها؛ اختارت الهيئة التنفيذية للصندوق القومي زراعة الصنوبريات بدل الزيتون والنباتات الملائمة لمناخ فلسطين (13/255). تكفل الصندوق القومي بمهمة إخفاء جريمة التهجير واغتصاب الأرض عن طريق الزراعة ونسج الروايات المختلقة كي يقدم البلاد قطعة من اوروبا ( ..) أدخل مرويات تعرضها الدعايات. وتشاء المعالم المتجذرة إلا أن تفضح الكذب. أحيانا كثيرة نبتت أشجار التين والصبار واللوز والزيتون من جديد، شواهد على وجود قرية عربية في الماضي. وأحيانا كانت شجرة زيتون تنبثق من ساق شجرة الصنوبر.

زرعت أربع غابات شاسعة، منها غابة بيريا في منطقة صفد وتغطي نحو 20000 دونم فوق ست قرى هي ديشون، علما، قديتا، عمقا، عين الزيتون، بيريا.(13/258)، و(2) حديقة رامات منشيه جنوبي بيريا وتغطي أنقاض قرى اللجون، المنسي ، الكفرين ، البطيمات خبيزة، دالية الروحاء صبارين، بريكة ، السنديانة، أم الزينات.. يشير الدليل الإليكتروني إلى ست كيبوتسات وسط الغابة وليس ست قرى (13/259) ...3ـ منخفضات القدس وتقع على 4500 دونم تحيط القدس بحزام أخضر، وتصل جنوبا خرائب قرية عين كارم وغربا تهبط حتى أراضي بيت حورش المدمرة وتمتد فوق أراضي دير ياسين وصوبا وصطاف والجورة وبيت أم الخميس (13/260). ثم (4) غابة صطاف فوق أراضي قرية صطاف من أجمل المواقع في جبال القدس. وتزعم المرويات الإليكترونية أنه جرى إحياء الطرق والمعالم القديمة؛ وابتكر الصندوق القومي أسماء مثل بستانوف ( منظر بستان ) كدعاية سياحية للمواقع (13/261) .

يقول هنريك فوروورد، رئيس وزراء افريقيا الاسبق ومخطط "الابارتهايد الكبير"،  ان "اليهود اخذوا الأرض من العرب بعدما عاشوا فيها لآلاف السنين. وإسرائيل، مثل جنوب أفريقيا، دولة فصل عنصري". وحسب صحيفة " الغارديان" البريطانية ، فإسرائيل هي "إحدى الدول التي جعلت من الأبارتهايد بمثابة دستورها وقانونها، وحتى اساس وجودها" .

وبعد أربعة أعوام قضاها في القدس المحتلة وأكثر من عقد في جوهانسبورغ، نشر الصحافي البريطاني كريس ماكغريل في صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا، يؤكد على التداخل الكبير بين العنصرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ونظام الابارتهايد في جنوب إفريقيا ضد السود، معتمدا على الشهادات والأحداث والأبحاث والأرقام، التي تكشف النقاب عن أبشع أوجه العنصرية في عصرنا الحالي- الابارتهايد الإسرائيلي.

يبرز الكاتب ماكغوريل قضية تملك الأرض احد أبرز وجوه العنصرية، فيقول ان إسرائيل خصصت 93 في المئة من الأراضي "التي صادرتها من الفلسطينيين من دون تعويض"، لليهود. وهو امر شبيه بما كان يمارسه نظام التمييز في جنوب إفريقيا، حيث خصص 83 في المئة من الاراضي المصادرة من السود للبيض. ينقل عن الوزير اليهودي السابق في جنوب إفريقيا، روني كاسرلز، واليهودي الذي شارك في تحرير عريضة جالت على يهود جنوب أفريقيا للاحتجاج على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ولم تحظ بأكثر من 200 توقيع، .. ينقل عنه قوله ان الشبه بين العنصرية الإسرائيلية والتمييز العنصري في جنوب إفريقيا، يكمن في "استخدام القوة والقانون للاستيلاء على الأراضي"، وهو ما تنفيه إسرائيل، وتضعه في خانة معاداة السامية. قال كاسلرز إن "الإسرائيليين يزعمون أنهم شعب الله المختار، ويجدون بذلك التبرير الإنجيلي لعنصريتهم ونازيتهم الاستثنائية. إن ذلك هو تماما كأفارقة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، الذين حملوا أيضا الفكرة الإنجيلية القائلة بأن الأرض هي حقهم الإلهي. تماما كالصهاينة الذين زعموا أن فلسطين كانت في الأربعينات من القرن الماضي أرضا من دون شعب لشعب من دون أرض".

ومن هنا نشر اليهود المستوطنون الأفارقة النظرية التي تزعم أنه لم يكن ثمة أشخاص سود في جنوب أفريقيا، عندما وصلوا إليها في القرن السابع عشر.

ويعزز الكاتب فكرة الشبه المتداخل الى حد بعيد بين النظامين، عبر شهادة الإسرائيلي من أصل جنوب إفريقي ارثير غولدريخ الذي عانى في ظل النظام العنصري في جنوب افريقيا. يقول غولدريخ الذي ناضل الى جانب نيلسون مانديلا في سبيل العدالة، ان اسرائيل، حيث يعيش اليوم، باتت تمثل كل ما كان يحاربه، وانها تؤكد يوما بعد يوم انها معنية بالأرض اكثر من السلام، عبر تبنيها نظاما عنصريا ضد الفلسطينيين. ولاحظ الكاتب أن "الفيدرالية الصهيونية والمجلس اليهودي للبرلمانيين في جنوب أفريقيا، كانا يكرّمان طوال عقود رجالا مثل بيرسي يوتار،القاضي الذي حكم بالسجن المؤبد للمناضل نيلسون مانديلا  عام 1963، مضيفا انه في الحالات النادرة التي كان يخرج فيها أحد اليهود عن القطيع للتنديد بسياسة التمييز العنصري، كان هذا "المرتد" يقابل من جاليته ومن مؤسساته بالتهميش والاستنكار والنبذ كما لو أنه "عرض الطائفة للخطر".

كما تبرز العنصري في التمييز في البناء. ويقول الكاتب ان الشبه هنا بين إسرائيل وجنوب افريقيا، هو ان "المجتمع الإسرائيلي هو المجتمع الغربي الوحيد الذي ينكر، على أسس عنصرية، حق الناس في البناء" ، وهذا ما كان يحدث في جنوب افريقيا حتى العام 1992.

ويضيف ان وزارة الإسكان الإسرائيلية خصصت في ميزانيتها للعام 2002، 25 دولارا لكل عربي، في مقابل 2700 دولار لكل يهودي. وفي العام ذاته، خصصت وزارة الصحة الإسرائيلية من اصل 61 مليون دولار لتطوير الرعاية الصحية، حوالي مليونين ونصف مليون دولار لفلسطينيي ال48. كما يكشف النقاب عن العنصرية في مسالة التوظيف. ويقول ان وزارتي الخارجية والمال توظفان اقل من 12 عربيا في اداراتهما، في مقابل اكثر من 1700 يهودي. كما ان مصرف اسرائيل وشركة الكهرباء، لم يوظفا اي عربي حتى اليوم.

______________________________________

11- نوعام تشومسكي: مقابلتان أجراهما معين رباني في14 أيار 2009، و21نوفمبر 2010_كاونتر بانش29تموز 1012

12- بيني موريس:ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (بالانجليزية) 1989

13- إيلان بابه:التطهير العرقي في فلسطين-ترجمة احمد خليفة ، إصدار مركز الدراسات الفلسطينية –بيروت2006

14- سيد القمني: موسى والتوراة الحوار المتمدن،  العدد: 3793 - 2012 / 7 / 19

15-  ابراهام بورغ : لننتصر على هتلر –ترجمة بلال ضاهر وسليم سلامة، إصدار مدار رام الله ، نيسان2010 ،ص128

16- فرد جيرومي: آينشتاين حول العرق والتعصب العرقي، إصدار روجرز يونيفيرسيتي بريس، تموز 2005 - ترجمة مازن الحسيني ، الناشر وكالة أبوغوش، رام الله، 2011