لا بد من تعريب الكنيسة الأورثوذكسية

2017-08-22

لا بد من تعريب الكنيسة الأورثوذكسية

نعيم الأشهب

معلوم أن الأرض هي جوهر الصراع بين الشعب الفلسطيني والمشروع الصهيوني الاستيطاني. وقد شكّل الانتداب البريطاني على فلسطين، والتزامه بوعد بلفور، دعما نوعيا  في عملية سرقة الأرض الفلسطينية  لصالح هذا المشروع الكولونيالي. لكن أوسع وأخطر عملية سرقة للأرض الفلسطينية وتهجير أهلها تمّت منذ وقوع النكبة عام 1948، حيث لجأت الصهيونية الحاكمة الى مختلف الوسائل غير الشرعية، من الاستيلاء بقوة السلاح، والمصادرة والسرقة والتزييف مكشوف، لاغتصاب الأرض الفلسطينية.

لكن يلاحظ، ومنذ وقت مبكر على قيام دولة اسرائيل ،وتحديدا منذ العام 1950،أن الرئاسة اليونانية للكنيسة الأورثوذكسية في فلسطين الانتدابية غدت أحد المصادر الهامة لعملية سرقة الأرض الفلسطينية لصالح المؤسسات الاستيطانية الصهيونية، تحت مختلف  أساليب التزييف، بخاصة "التأجير" لمدة 99 سنة، وغيرها. وخطورة الصفقات التي قام ويقوم بها البطاركة اليونان المتعاقبين في نقل ممتلكات الطائفة الأورثوذكسية العربية الى المؤسسات الصهيونية ليست فقط  في حجومها بل وفي نوعيتها ؛أي طبيعة ومكانة الأرض أو العقار الذي تطاله هذه الصفقات. فمن أرض سوق الدير المركزي بجانب دوّار الساعة في يافا، الى كامل أرض الطائفة الأورثوذكسية  في قيساريا وما تحويه من كنوز تاريخية، الى الأراضي المقام عليها الكنيست الاسرائيلي في القدس الغربية، الى أراضي دير الرسل في طبريا، الى غيرها في رحافيا والطالبية والمصلبة وتلبيوت ودير مار يوحنا، وأراض في سلوان، وبناية مركزية في  الدباغة داخل البلدة القديمة، وغيرها.. وغيرها. ومن أواخر هذه الصفقات اللصوصية، صفقة فندقي البتراء والامبريال بباب الخليل الى جانب مبنى بشارع المعظمية - باب حطة. وفي ما يتعلق بالفندقين السالفي الذكر، فان تهويدهما يعني تهويد أهم أبواب مدينة القدس العربية القديمة وساحة عمر بن الخطاب التاريخية.

ان استمرار، بل وتفاقم هذه العملية اللصوصية لسرقة الأرض والعقارات الفلسطينية وتحويلها الى أعدائها، على أيدي رجال الدين اليونان المهيمنين على الكنيسة الأورثوذكسية العربية منذ أن فرضهم الاحتلال العثماني البغيض عام 1534 أوصياء على الطائفة الأورثوذكسية العربية وممتلكاتها، على غرار انكشاريته، حين كانت اليونان جزءا من امبراطوريته، وذلك في سياق تعزيز سيطرته على الطوائف العربية .. ان استمرار وتفاقم هذا النزيف الخطير يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، بأن التصدي له ومعالجته جذريا، لم يعد من الممكن أن يتحقق بابعاد هذا البطريرك اليوناني المرتشي أو سواه. فهذا النزيف المتواصل منذ بداية خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم للأرض والعقارات الفلسطينية لصالح أعدائها،ليست بالقطع من صناعة رجل واحد، ولن تنتهي بترحيل بطريرك يوناني أو سواه. مأخوذ بعين الاعتبار أن هؤلاء الغرباء لا تربطهم أية رابطة بهموم الشعب الفلسطيني الوطنية، وأن الأمر بالنسبة لهم هو حجم الرشوة التي تدخل جيوبهم على حساب  املاك غيرهم.

وبالتالي، فالحل الجذري لهذا المرض العضال هو بتعريب الكنيسة الأورثوذكسية ، على غرار ما فعلت الشقيقة سورية منذ عقود.

وما يعزز هذا الحل انعدام الخيارات الأخرى، بخاصة في ضوء عجز وضعف مواقف الجانب العربي في هذه القضية، سواءا  الفلسطيني أو الأردني. على سبيل المثال في هذا الصدد: أصدرت الحكومة الفلسطينية، مؤخرا، بيانا حول الصفقة  التي سميت ب"صفقة رحافيا" والتي تطال مئات الدونمات، جاء فيه :"ان الصفقة التي تمّت بين بطريركية الروم الأورثوذكس واحدى شركات الاستثمار الاسرائيلية والمعروفة باسم -صفقة رحافيا- اذا صدقت الأنباء التي تحدثت عنها، فانها مرفوضة وغير مقبولة"!. فعدا ما في هذا البيان من ضحالة ولا مبالاة  مزرية، حين يشكك في وقوع الصفقة بالقول:"اذا صدقت الأنباء التي تتحدث عنها"، فان "رفض الصفقة وعدم قبولها" ، كما ينص البيان المذكور،  لا تقدم ولا تؤخر، وينطبق عليها القول المأثور: اشبعتهم شتما ولاذوا بالابل!.

اما نشاط "اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين" فلا يخرج عن هذا المستوى الهزيل ولا يتجاوز، حتى الأن، اصدار البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بحيث غدت هذه اللجنة موضع تندّر المواطن، بل وشكوكه. وما  لم تحقق هذه اللجنة انجازات حقيقية في استعادة ولو شيء من الأراضي والعقارات المسروقة وتتصدّى لقيادة عملية تعريب الكنيسة الأورثوذكسية فانها لن تمثل الاّ ملهاة للتخدير. فالمطلوب، دون لفّ أو دوران، هو وضع حد نهائي لتصرف اليونانيين الغرباء بأراضي وعقارات الطائفة الأورثوذكسية العربية الأصيلة والعريقة في ولائها لوطنها.

أما النظام الأردني، فانه اذ يعلن الالتزام  بقانونه الخاص ببطريركية الروم الأورثوذكس، رقم 27 لعام 1958، ولا سيما المادة  4/ه، التي تنص على "أن الطائفة الأورثوذكسية يمثلها البطريرك في كافة الأمور المرتبطة بالحكومة"، فانه يتجاهل، في الوقت ذاته، الالتزام بضرورة موافقة "المجمع المقدس" المشكل بموجب هذا القانون على قاعدة التساوي بين رجال الاكليروس، العرب واليونان في تكوينه، على أي اجراء يمسّ حقوق هذه الطائفة.

وأمام ضعف وتهاون الطرفين الفلسطيني والأردني، ازاء تصرف البطاركة اليونان بممتلكات الطائفة الأورثوذكسية العربية، فان زمام الامور غدا فعليا بيد الطرف الاسرائيلي، وهذا ما يجعل البطاركة اليونانيين يعتقدون بأن ارضاء الطرف الاسرائيلي هو الأساس  في بقائهم وممارساتهم المشبوهة.

وفي اطار معركتنا الوطنية المحتدمة والمصيرية مع الاحتلال الاسرائيلي، والصراع المتصاعد على الأرض الفلسطينية وأهمية الصمود فيها، في وجه محاولات الاقتلاع والتهجير لشعبنا، بمسلميه ومسيحييه.. ازاء كل ذلك ، فان قضية ممتلكات الطائفة الأورثوذكسية الفلسطينية، ليست بالقطع قضية طائفة دينية كريمة، كالروم الأورثوذكس العرب، ولا حتى قضية المكوّن المسيحي من شعبنا بمجمله، بل هي قضية وطنية فلسطينية بامتياز. وكل تلاعب فيها لصالح العدو الصهيوني يرقى الى مستوى الخيانة الوطنية. وبحق يرى البطريرك الجليل المتقاعد  لطائفة اللاتين، ميشيل الصباح، في مجريات هذه الأزمة نوعا من الحرب على الشعب الفلسطيني. يقول سيادته في مقال له في صحيفة القدس، نشر مؤخرا:"والوقف (أي وقف الكنيسة) هنا في فلسطين؟ الوقف أرض. والأرض في فلسطين هي موضوع صراع. والوقف أرض فلسطينية .فتمريرها الى شعب آخر في حالة حرب ، هو عمل حرب.

هو خروج على الشعب، وعلى المؤمنين، وخروج على الكنيسة التي رسالتها رسالة عدل وسلام.

تبديل ملكية الوقف، أي أرض الكنيسة، هو عمل حربي، هو تجريد الكنيسة ، وتجريد المؤمنين، وتجريد فلسطين من جزء منها".

وجدير بالتنويه في هذا السياق، أن الكنيسة اللاتينية، التي يقف على رأسها بطاركة عرب، استعادت  عقارات نوعية كانت السلطات الاسرائيلية قد وضعت اليد عليها، منها مبنى كلية تراسنتا الاستراتيجي، الواقع في مركز شارع الملك جورج في القدس الغربية، ومبنى النوتردام المميز، مقابل الباب الجديد؛ في وقت كان البطاركة اليونان يسرّبون الممتلكات العربية الفلسطينية للاسرائيليين.ان هذا النموذج الايجابي، الى جانب التجربة السورية في تعريب الكنيسة الأورثوذكسية، وأخذا في الحسبان تجربة شباب القدس البواسل في معركة المسجد الأقصى الأخيرة، تؤكد بأن الطائفة الأورثوذكسية الفلسطينية، مدعومة بشعبنا الفلسطيني كله، قادرة، اذا وحّدت موقفها وحزمت أمرها، أن تحسم هذه المعركة لصالح القضية الوطنية الفلسطينية وصالح الطائفة ذاتها، وصولا الى تعريب هذه الكنيسة العربية .