ثغرات في جدار القدس

2017-08-09

ثغرات في جدار القدس

نهاد ابو غوش

وسط مظاهر الابتهاج المستحقة التي أعقبت معركة شعبنا وانتصاره في القدس والمسجد الأقصى. ومن دون إهمال الإيجابيات أو التقليل من شأنها، لا بد من رصد وتحليل بعض المظاهر السلبية التي رافقت هذه الجولة التي هي جزء من معركة طويلة عنوانها السيادة على القدس بمقدساتها وأرضها وشعبها وانتمائها وهويتها العربية الفلسطينية.

هي معركة لم تتوقف بإزالة البوابات والكاميرات، فثمة مشروع إسرائيلي معلن ومخطط هو مشروع التهويد والتطهير العرقي الذي يدبّ على الأرض عبر عشرات الوسائل والإجراءات اليومية وينتظر فرصة سانحة لتوجيه ضربات كبرى وتغيير طابع المدينة وحسم مصيرها ومستقبلها.

أولى المظاهر السلبية أن الأحداث أظهرت اتساع الفجوة بين جماهير شعبنا في القدس وبين القيادة، بكل ما تشمله كلمة "قيادة" من مؤسسات وأطر وهياكل وأدوات، وهذه الفجوة ليست وليدة الأحداث الأخيرة، بل هي حالة آخذة في الاتساع، بدأت مع وقوع جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس تحت الاحتلال، وبخاصة مع قرار ضم القدس وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها في 28 حزيران عام 1967.

وتعززت مع اتفاق أوسلو الذي استثنى القدس من ترتيبات المرحلة الانتقالية، وبموجبه سعت إسرائيل بشتى السبل لفصل القدس وعزلها عن الجسم الفلسطيني، ثم تكرست واقعيا ورمزيا برحيل القائد فيصل الحسيني في أيار 2001، وفشل المؤسسة الفلسطينية الرسمية في تكريس مرجعية وطنية تشكل عنوانا موحدا للقدس والمقدسيين.

الموقف القيادي الرسمي جاء بحق منسجما ومتكاملا مع الموقف الشعبي في القدس، وهو موقف يمكن البناء عليه وتطويره لردم الفجوة من خلال برامج وسياسات وخطط عمل تغوص عميقا في واقع القدس ومشكلاتها، وتستجيب لتطلعات أهلها، ولا تكتفي بإطلاق الشعارات والمواقف "التضامنية" ولا بالتعامل مع القدس من خلال وكلاء ومندوبين لا عمل لهم سوى تدبيج التقارير.

أبرزت الأحداث كذلك وجود نعرة جهوية خطيرة تكاد تقول أن ثمة شعبا مقدسيا منفصلا بهمومه وحياته وتطلعاته عن باقي الشعب الفلسطيني، وهي أيضا نعرة لم تولد من فراغ، بل نشأت في سياق سياسات العزل والفصل الإسرائيلية، وتعتاش على اختلاف الواقع السياسي والقانوني والاقتصادي، وتجد لها ترجمات شتى حتى في المسائل الاجتماعية والإنسانية، وتتغذى من فشل المؤسسات القيادية الفلسطينية في إدارة وتوجيه الشأن المقدسي. في بيئة معقدة كهذه يمكن للبعض أن يزعم أن المقدسيين ( وحدهم) هم من سلالة الأنبياء، متناسيا أن الاحتلال هو الذي رسم الحدود الحالية لبلدية القدس من صور باهر وأم طوبا وبيت صفافا جنوبا حتى كفر عقب شمالا.

ومع أن للنعرة الجهوية طابعا إيجابيا متحمسا أحيانا بفعل شعور الفخر والنشوة بما حققه الشباب والمرابطون، إلا أن ثمة شيئا قبيحا يخالط ذلك، ففي القدس يرتع حزب التحرير الإسلامي الذي مهما كان وجوده هامشيا في حياة الفلسطينيين إلا أنه يمتلك مواقع مؤثرة في المساجد وحلقات الدروس الدينية وخاصة في المسجد الأقصى، وهو قادر على التخريب وتشويه الصورة والإساءة للوطنية الفلسطينية إلى جانب ما يفعله أذناب الاحتلال ووكلاؤه.

إلى ذلك وجدنا أنفسنا في غمرة الأحداث إزاء مصطلح سياسي جديد بات متداولا ومألوفا أكثر من اللزوم وهو مصطلح "المرجعيات الدينية" الذي يرد أحيانا إلى جانب "المرجعيات الوطنية"، من المفهوم أن للهيئات الدينية كدار الإفتاء وإدارة الأوقاف مسؤوليات مباشرة في إدارة الحرم القدسي الشريف، وفي التصدي لمحاولات إسرائيل تغيير الوضع القائم، ولكن في السياسة ليست لدينا مرجعيات دينية فهذه جزء من المرجعيات والهيئات الوطنية، وفي موضوع السيادة على القدس ومستقبها ليس للشعب الفلسطيني سوى عنوان واحد شرعي ووحيد هو منظمة التحرير الفلسطينية، وأي محاولة لخلق مرجعيات موازية أو منافسة للمنظمة لن تخدم معركة الأقصى والقدس، وسوف تضرّ الشعب الفلسطيني بأسره وتحقق ما تصبو إليه إسرائيل من تفتيت وحدة هذا الشعب وتبديد حقوقه الوطنية.

في معركة القدس والاقصى وقف الشعب الفلسطيني وبالأخص المقدسيون كجدار منيع، كسور القدس، في وجه مخططات الاحتلال، لكن الثغرات التي ظهرت يمكن أن تتحول إلى شروخ وصدوع إذا لم نبادر إلى علاجها فورا ودون إبطاء.