إعادة الاعتبار لمفهوم التحرر الوطني

2017-04-01

إعادة الاعتبار لمفهوم التحرر الوطني

د. حسن مدن

ضمن أمور جوهرية كثيرة نفتقدها في واقعنا العربي ما كنا نطلق عليه مفهوم حركة التحرر الوطني والقومي العربي، لصالح شعارات ومفاهيم غائمة، عائمة، لا يستدل منها على فهم حقيقي للمهام التي تجابه العرب، إن على مستوى كل بلد على حدة، أو على المستوى العربي العام.

سيقول قائل إن العالم تغير كثيراً عما كان عليه في مطالع ومنتصف القرن العشرين، يوم كانت شعوب ما كان يطلق عليه العالم الثالث منصرفة للنضال من أجل إنهاء السيطرة الكولونيالية على أوطانها ونيل الاستقلال الوطني، وهو ما أفلحت فيه الغالبية الساحقة من هاته الشعوب، حيث أصبح العالم يتحدث عن تصفية نظام الاستعمار.

وطالما كان الأمر كذلك، فما مدى صدقية الحديث عن افتقادنا مفهوم التحرر الوطني والقومي إذن؟ 
في الحال العربية، وبالنظر إلى الاحتلال الصهيوني لفلسطين وأراضٍ عربية أخرى، والحيلولة دون تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره على أرضه وإقامة دولته الوطنية المستقلة وذات السيادة التامة، سيصبح أي حديث عربي عن تحرر وطني تمّ إنجازه من قبيل الوهم، ليس لأن فلسطين ما زالت محتلة، وإنما لأن المشروع الصهيوني أوسع وأشمل من فلسطين وحدها.

لا يقف الأمر هنا، فالاستقلال الوطني الذي نالته البلدان العربية بعد نضال عنيد وتضحيات جليلة لشعوبها، ظلّ في الكثير من الحالات استقلالاً منقوصاً، حين وجدت هذه البلدان نفسها أسيرة إملاءات دولية على قرارها الوطني المستقل، ولم تتورع الولايات المتحدة عن احتلال بلد عربي مهم بكامل أراضيه هو العراق، وأنشأت فيه واقعاً جديداً، معيدة بذلك صورة الغزوات الاستعمارية التي عرفتها بلداننا فيما سبق على أيادي الإنجليز والفرنسيين والطليان وقبل هؤلاء جميعاً البرتغاليون.

لكن مفهوم التحرر الوطني والقومي الذي ندعو إلى إعادة الاعتبار إليه لا يقف عند حدود مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي مفتوح الشهية على قضم الأراضي العربية، ولا إزاء مشاريع الدول الكبرى ذات الإرث الاستعماري في تقاسم النفوذ في بلداننا، والتهيؤ لإعادة هندسة الخريطة فيها، عبر خطة مشابهة لاتفاقية «سايكس - بيكو» سيئة الصيت، وإنما تمتد لتشمل التطلعات الإقليمية، مفتوحة الشهية، هي الأخرى، على بسط مواقع نفوذها في العالم العربي.

تفكك منظومة الأمن العربي أطلق العنان للقوى الإقليمية الأخرى كإيران وتركيا أن تمد أيديها طويلاً وتتقدم بأرجلها عميقاً في أكثر من خاصرة عربية، مستفيدة من حالة الوهن العام، متوسلة، في الغالب الأعم شعارات مذهبية، تطمس البعد الوطني - القومي للقضايا العربية، وتجعلها ملحقاً أو امتداداً لأجنداتها الخاصة في تثبيت النفوذ وتقاسمه.