حديث عن الخطاب الإسلامي… و«فيدرالية» الأخ موسى أبو مرزوق

2017-01-06

حديث عن الخطاب الإسلامي … و«فيدرالية» الأخ الصديق موسى أبو مرزوق

غازي الصوراني

الخطاب الإسلامي، الذي يقدم كبديل لخطاب النهضة والديمقراطية، والمواطنة، وحرية الرأي من جهة، وبديل أيضا للقوى التقدمية ونضالها الثوري التحرري والطبقي ضد أنظمة التخلف وضد الوجود الإمبريالي الصهيوني من جهة ثانية، هو خطاب ذو طابع طبقي سياسي، تحت غطاء ديني شكلاني وطائفي رجعي.

فالإسلام السياسي يدعو إلى التغيير الذي يعيد إنتاج وتجديد التخلف عبر النموذج السلفي الرجعي، لخدمة مصالح طبقية كومبرادورية وطفيلية نقيضة للمصالح الوطنية أو يعيد إنتاج وتكريس مصالح هذه الحركة الدينية أو تلك على النقيض من الأهداف الوطنية الاستراتيجية كما هو حال الأخ موسى أبو مرزوق وحديثه عن "الفيدرالية" بين دويلة غزة "المسخ" والضفة الغربية المحتلة، رغم ادراكه أو عدم ادراكه أن الفيدرالية هي نظام قانوني أو شكل من أشكال الأنظمة السياسية المعاصرة، يقوم من خلال الاستفتاء الديمقراطي على وحدة دولتين أو مجموعة دول مستقلة ذات سيادة، كما يقوم على أساس قواعد دستورية واضحة تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والاثنيات والطوائف والمذاهب ضمن دولة فيدرالية مركزية اتحادية تملك وحدها التمثيل الدولي والشخصية الدولية.

ويدرك أو لا يدرك أيضا أن الفيدرالية هي نظام يوفر دستوراً تستند عليه التعددية الديمقراطية، كما يستند إلى مجلس نيابي مركزي أو فيدرالي منتخب إلى جانب مجالس فرعية منتخبة في كل دولة أو إقليم من الفيدرالية، وأن النظام الفيدرالي يجب أن يستند إلى موارد مالية وموازنة وبنك مركزي وجيش وجهاز أمن مركزي ووزارة خارجية وتمثيل ديبلوماسي فيدرالي، إلى جانب قضاء فيدرالي لضمان العدالة وتطبيقها في محاكم أقاليم الفيدرالية، كما يدرك أو لا يدرك أن من بديهيات الفيدرالية الحديثة، فصل الدين عن الدولة ورفض قيام دولة دينية لأنها تتناقض مع الدستور الديمقراطي إلا إذا كان هدف أو مخطط حماس واضحاً: تكريس الانقسام وفقدان الضفة لأية امكانية – بسبب أو بذريعة احتلالها – أن تكون هي مركز الفيدرالية، وبالتالي يصبح مركز الفيدرالية المقترحة من الأخ أبو مرزوق هو قطاع غزة عبر دويلة غزة في مساحة هزيلة لا تتجاوز جزء من 16 جزء من الضفة الغربية، وكأنه لا يدرك أن قطاع غزة المحاصر ما زال محكوماَ للمحتل الصهيوني، وكأنه نسي أيضا أن حكم حماس في قطاع غزة هو حكم فاقد لأي شرعية وهو أيضاَ حكم غير معترف به من أي دولة في العالم، بما في ذلك دويلة قطر و"نظامها العميل". ورغم كل ذلك يطالب ويقترح الفيدرالية المستحيلة والمرفوضة فلسطينياَ لأننا شعب واحد ولغة واحدة وتاريخ قديم وحديث ومعاصر واحد وثقافة تاريخية وطنية عربية واحدة ومسيرة نضال وتضحيات واحدة ومستقبل واحد. وبالتالي لا يجوز بالمعنى السياسي والاجتماعي والقانوني الدولي قيام فيدرالية فلسطينية، لأن هذه الخطوة ستكون محل سخرية وازدراء ورفض أبناء شعبنا وشعوبنا العربية وكافة القوى الوطنية في فلسطين والوطن العربي، إلى جانب سخرية وازدراء دول العالم في الأمم المتحدة والمحافل القانونية، إلا إذا ارتبط حديث الأخ أبو مرزوق عن الفيدرالية ليكرس حماس في غزة لكي تصبح ولاية إسلامية، وتتحول الضفة إلى كانتونات وفق الرؤية الصهيونية.

أخيراً، أقول للأخ أبو مرزوق ولكل من يوافق على "فيدراليته" الموهومة، أن مرحلة الانحطاط والهبوط الراهنة باسم التفاوض العبثي أو المهادنة أو أية مشاريع تثير الشبهات، لا يمكن أن تملك الحد الأدنى من القدرة على طمس أو تجاوز المشهد النضالي الزاخر بالتضحيات وبالصمود والمقاومة الباسلة بكل أشكالها الكفاحية والشعبية، وبالتالي فإن الحديث عن المشهد النضالي لا معنىً له ولا قيمة إن لم يكن تحريضاَ ثورياَ وديمقراطياَ لكل أبناء شعبنا الفلسطيني من أجل إنهاء الانقسام واستعادة وحدتنا الوطنية التعددية في نظام سياسي وطني وديمقراطي.

إذ أن مصداقية الموقف الوطني لدى حماس وفتح وبقية الفصائل والأحزاب، تقف على محك الاتفاق لإنهاء وتجاوز الانقسام أولا وفوراَ، كمقدمة وشرط وضرورة للاتفاق على صيغة وطنية مشتركة وجامعة لكل فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية ينبثق منها شروط ومعايير التهدئة مع العدو الصهيوني ووقف عدوانه، إذ أن الرؤية الوطنية الجماعية في هذه اللحظة هي الضامن الوحيد للبرنامج الوطني في حده الأدنى، وهي أيضا الضامن الوحيد لوحدة الضفة والقطاع سياسيا وجغرافيا، حتى لا نصل إلى مرحلة تصبح فيها غزة ولاية إسلامية منفصلة كلياَ عن المشروع الوطني عموماَ وعن الضفة الغربية خصوصاَ، وحتى لا تتحول الضفة إلى كانتونات وفق الرؤية الصهيونية أو ضمن تقاسم وظيفي(...).

المطلوب الآن وفوراً مغادرة عقلية التعصب الفئوي لهذه الحركة أو تلك والتمسك ببوصلة الانحياز للشعب والوطن والقضية.