"عذارى في وجه العاصفة" للكاتب جميل السلحوت

2016-12-28

"عذارى في وجه العاصفة" للكاتب جميل السلحوت

مقطع من رواية الكاتب جميل السلحوت "عذارى في وجه العاصفة" التي ستصدر خلال أيام عن مكتبة "كل شيء" الحيفاوية لصاحبها الأستاذ صالح عباسي.

في شهر حملها التّاسع انتقلت مريم للعيش في بيت والدها رشيد الفرحان، بناء على نصيحة والدتها التي قالت لها: تعالي عندنا يا ابنتي أنت وأطفالك، فإذا جاءك المخاض لن تستطيعي فعل شيء، ولن تجدي من يساعدك.

مريم: فكرة جيّدة، لكنّني أخاف أن يأتي زياد ذات ليلة، ولن يجد أحدا في البيت، وإذا ما اشتدّ طرقه على الباب، فإنّ الجيران سيستيقظون، وعندها لا أحد يعلم ماذا سيحصل؟

- السّاتر ربّنا يا بنتي.

- سآتي اليوم، أخبري أخي شوقي كي يساعدنا في الرّحيل.

- لن ترحلي يا ابنتي، احملي شيئا من ملابسك وملابس أطفالك فقط.

في يوم الانتقال إلى العيش في بيت والديها، جلست مريم ووالداها وشقيقها شوقي، وتباحثوا في مكان الولادة، قالت الأمّ:

سنتركها تلد في البيت، سأساعدها أنا على الولادة، لن ندع أحدا يعلم بأنّها أنجبت.

الوالد: حتّام نخفي المولود الجديد؟ في النّهاية سينكشف الأمر.

شوقي: ما رأيكم أن ننسب المولود لأخي شاكر، سنقنع زوجته كي تقول أنّها هي من أنجبته، ونتركه لمريم لتربّيه كابن لها بالتّبنّي. ونسأل الله أن تنحلّ الأمور قبل أن تلد مريم.

أبو شاكر: في النّهاية سينكشف الأمر، وأفضل حلّ لأيّة مشكلة هو مواجهتها.

مريم: صدقت يا أبي، المواجهة هي الحلّ الصّحيح، سأنجب في المستشفى، سأنسب المولود لأبيه، وسأتحمّل تبعات عواقب ذلك وحدي.

أم شاكر متذمّرة: رحماك يا ربّ، والله الخوف من ألسنة النّاس أكثر من الخوف من هؤلاء الظّالمين.

شوقي: من يتجرّأ على المسّ بشرف شقيقتي مريم، سأقصّ لسانه.

أبو شاكر: لا نريد قصّ لسان أو اظفر أيّ شخص، لكنّني أقترح منذ الآن نشْر الخبر بين الأقارب والمعارف والجيران؟

شوقي غاضبا: كيف ننشره؟ هل نضع لهم اعلانا في الصّحف؟

أبو شاكر: منذ الصّباح اذهب يا شوقي مع شقيقتك لبيتها، احمل معها بعض الأغراض، وأنت يا مريم، ودّعي جاراتك جميعهنّ، وقولي لهنّ سأذهب لمدّة شهرين عند أهلي، سألد عندهم؛ لأنّني حامل، فزوجي كان يتسلّل أسبوعيّا، ينام عندنا ليلتين في الأسبوع، ووالداي واخواني يعلمون ذلك، وأنت يا أمّ شاكر اعملي الشّيء نفسه مع الجارات هنا، وأنت يا شوقي واخوتك اعملوا الشّيء نفسه في أعمالكم، ولا تسألوا عن أحد و"اللي بطيح من السّما بتتلقّاه الأرض."

ضحكت مريم وقالت:

حفظك الله يا أبي ورعاك، وهذا كان رأي زياد أيضا، عندما تسلّل قبل أسبوع.

أم شاكر وقد جفّ ريقها:

يا فضيحتك يا أمّ شاكر.

أبو شاكر: "الملافظ سعد" فضيحة ماذا يا امرأة؟ لا أريد أن أسمع هكذا كلام مرّة أخرى، لا تتردّدوا في الحديث عن حمل مريم، تكلّموا وأنتم تضحكون فرحا، حتّى لا يتشّككوا بصحّة كلامكم، مريم لم ترتكب حراما ولا عيبا حتّى تتحرّجون منه، فالنّساء كلّهنّ يحملن من أزواجهنّ.

أمّ شاكر تثقل كاهلها الهموم:

النّساء يعشن مع أزواجهنّ.

أبو شاكر غاضبا: ومريم عاشت مع زوجها وعاشرته وحملت منه، وأكثر ما أخشاه أنّ المصائب لن تأتينا إلا منك يا أمّ شاكر.

- أنا سأغلق فمي، لن أتكلّم شيئا، فكلامي لا يعجبك دائما.

- خيرا تفعلين، لا تتكلّمي شيئا.

صباح اليوم الثّاني ذهبت مريم مع شقيقها شوقي لبيتها كي تحضر بعض الملابس لها ولأطفالها، ذهبت لتودّع جارتها أمّ وليد، وجدتها تجلس مع أربع جارات أخريات، صافحتهن ضاحكة وهي تقول:

-" صدفة خير من ميعاد" لقد أرحتنّي من جولة على بيت كلّ واحدة منكنّ.

أمّ وليد: أهلا وسهلا بك، خير ما المناسبة؟

مريم: جئت لأودّعكنّ؛ لأنّني سأنتقل لبيت والديّ لمدّة شهرين، حتّى أنجب من في بطني، وبعدها سنعود أنا وأطفالي.

نظرن إلى وجوه بعضهن بعضا، تغامزن وابتسمن.

سألت مريم: لماذا تضحكن؟

أمّ وليد: كلنّا نعلم أنّ زياد كان يتسلّل ويعود إلى بيته، وقد لاحظنا عوارض الحمل عليك منذ شهور.

- ولماذا لم تتكلّمن في الموضوع؟

- نتكلّم عن ماذا؟ هل تريديننا أن نفضح تسلّل زياد؟ ما يدرينا أن ينفضح أمره، فيكمنون له ويقتلونه -لا سمح الله-.

ضحكت مريم فرحا بما سمعت من جاراتها، سألتهنّ:

- هل يعرف رجالكنّ ما تعرفنه؟

أمّ وليد: كلّهم يعرفون ويتكتّمون.

- الحمد لله. ما هذا الزّمن الذي وصلنا فيه أن يتسلّل الرّجل خلسة إلى بيته، وتخاف المرأة من حملها من زوجها؟ لعن الله من كان سببا فيما حصل لشعبنا؟ ونسأل الله الفرج القريب.

شوقي يستمع لأحاديث النّساء بمتعة فائقة، فقد سمع ما لم يكن يتوقّعه. فما دامت الحارة التي تعيش فيها مريم تعرف الحقيقة، فلا ضير من الآخرين.

عاد شوقي بصحبة شقيقته مريم إلى بيت والديه فرحا مرفوع الرّأس، أمّا مريم فقلبها يزغرد فرحا، احتضنت طفلها الصّغير، تحسّست الجنين الذي في رحمها، فقد ازدادت حركته؛ كأنّه يعلم ما دار ويدور حوله.

سأل أبو شاكر ابنته مريم: هل أخبرت جاراتك كما اتفقنا يا أمّ صلاح؟

- نعم أخبرتهنّ.

- وماذا كانت ردّات فعلهنّ؟

- اسأل شوقي فقد سمع كلّ شيء.

شوقي: المفاجأة يا أبي أنّهنّ وأزواجهنّ يعرفون عن تسلّل زياد إلى بيته، كانوا يرونه ويتكّتمون على ذلك خوفا عليه، وخوفا على أنفسهم، كانوا يعلمون عن حمل مريم، ولا يتكلّمون في الموضوع للسّبب نفسه.

أمّ شاكر: وكيف علموا بحمل مريم؟

أبو شاكر ساخرا: كما علمت أنت!

- أنا علمت لأنّ مريم أخبرتني بذلك.

- وهنّ علمن لأنّهنّ يحملن ويلدن، ومن تحمل وتلد لا تخفى عليها المرأة الحامل.

- والله هذه غابت عنّي.

ضحكوا جميعا عندما قال لها أبو شاكر مازحا:

يبدو أنّك ما عدت تعرفين شيئا عن النّساء بعد أن وصلتِ سنّ اليأس.

قالت أمّ شاكر مفاخرة:

الحمد لله حملت وولدت وربّي أعطاني أكثر من غيري.

يوم الجمعة ذهب أبو شاكر منذ الصّباح لآداء صلاة الجمعة في مسجد أحمد باشا الجزّار، في الطّريق ذهب إلى بيت إمام المسجد، شرح له قصّة ابنته، طلب منه أن يتكلّم بالموضوع مع المصلّين، كي لا يتفاجأ أحد عندما تلد.

ابتسم إمام المسجد وقال: توكّل على الله، فمن تبقّوا في المدينة يعلمون أنّ زياد يتسلّل أسبوعيّا إلى بيته.

وهل أنت تعلم يا مولانا؟

ضحك الإمام وقال متسائلا:

- ألست واحدا منكم؟

- بلى، وأنت من خيارنا.

- سأزيدك معلومة هي أنّ آخرين غير صهرك يتسلّلون أيضا، وأنّ حمْل ابنتك ليس الوحيد، فهناك أخريات أيضا حملن من أزواجهنّ المتسلّلين.

- ما قصدك من ذلك؟

- لا شيء، لكن لا داعي للحديث مع المصلّين في خطبة الجمعة، ومن لا يعرف الآن سيعرف لاحقا، فلا تستعجل الأمور.