حول الفكر وحريته

2016-12-05

حول الفكر وحريته

د. حسن مدن

بمشاركة نخبة من المثقفين والمفكرين والأكاديميين العرب ، أقامت مجلة «عالم الفكر» الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون في دولة الكويت الشقيقة، الأسبوع الماضي، ندوة ناقشتْ العلاقة الملتبسة بين الفكر والحرية. وهي علاقة بحاجة إلى فحص وتفكيك في ظرفنا العربي الراهن، الذي لم تعد فيه القيود على حرية الفكر تأتي من البيروقراطيات الحكومية وحدها، وإنما من قوى مجتمعية استفحلت سطوتها، فباتت لها أنياب ومخالب، وحتى سكاكين، تطال من يفكر بشكل مغاير عن تفكيرها.

الحق أن تاريخنا يحفظ أسماء خالدة ممن قالوا قولة الحق بوجه العسف من أمثال أبي ذر الغفاري وعروة بن ورد والشنفرى ومالك بن الريب وأبو الأسود الدؤلي وابن حزم الأندلسي وسواهم، وكان نصيب الكثير من الفلاسفة وأهل الفكر التشريد والسجن والقتل غيلة وظلماً، كما حدث مع غيلان الدمشقي والحلاج والسهروردي وغيرهم.

وفي التاريخ الحديث اضطهد الدكتور طه حسين وهوجم، ومن بعده واجه وضعاً شبيهاً الدكتور حامد أبو زيد اضطره إلى التغرب عن وطنه، وسواهما واجه الكثيرون العديد من أشكال المضايقة والتشهير، لا بل والقتل.

لكن قبل عقود قليلة من الآن، سادت في الفكر العربي نزعة تفاؤلية ترى أن تاريخنا ماضٍ قدماً إلى الأمام، وأن القيود على الحرية، وعلى حرية الفكر خاصة، ستنهار واحداً بعد الآخر، وقبل رحيله بسنوات كتب المفكر العراقي هادي العلوي يقول: «إن ظروفنا نحن أفضل من ظروف طه حسين، فالمثقف العربي لم يعد مهدداً بحياته من جانب الحكومات التي لم تعد قادرة على الاستجابة لفتاوى إهدار الدم بحق مثقف متهم بالمروق».

ومثله كتب الباحث السوري الراحل بوعلي ياسين، وبيقين أن من وصفه ب «الفريق الرجعي في الثقافة» الذي يشد بالحياة إلى الوراء لا تلقى دعواه تأثيراً معتبراً ، خاصة عند الشباب، لأنه من بقايا القرون الوسطى وثقافتها، التي ولّى عهدها.

لعل الرجلين، هادي العلوي وبوعلي ياسين، محظوظان لأنهما رحلا عن الدنيا قبل أن يشهدا مقادير الردة الحالية عن حرية الفكر، فيصابا بالإحباط لأنهما بالغا في التفاؤل، وأن المستقبل الذي حسباه زاهياً حمل من المفاجآت ما لم يخطر على بالهما يومها.

والمفارقة هي أنه من حيث البنية السكانية فإن نسبة الأعمار الفتية في بلداننا إلى ازدياد، لكن هذا لا يترتب عليه بالضرورة نمو في التفكير الحديث، فالميول المحافظة، هي الأخرى، إلى ازدياد، وحسبنا هنا قراءة طبيعة التحولات التي صاحبت وتلت ما عُرف بالربيع العربي، وما أظهرته من سطوة ل «الجماعات الإسلامية» التي هي أميل للفكر المنغلق، الذي ينزع إلى صنع الجماعات المتماثلة، وينبذ التنوع والتعددية.