حوار جديد مع الروائي الفلسطيني الكبير محمود شقير

2016-11-20

حوار جديد مع الروائي الفلسطيني الكبير

محمود شقير

أجرى الحوار: السيد حسين

س 1/ الروائي والأديب محمود شقير ماذا عن بداية الرحلة الأدبية. كيف كانت فترة التكوين وتأثيرها فى تكوين وعى الكاتب لديكم؟

ج 1/ كانت البداية في مجلة "الأفق الجديد" المقدسية. وكان لتلك المجلة فضل كبير علي. نشرت على صفحاتها أولى قصصي في العام 1962، وهي التي قدمتني إلى القراء وإلى النقاد. وكنت نشرت فيها معظم قصص مجموعتي الأولى "خبز الآخرين" ، واستمر ذلك إلى أن توقفت المجلة عن الصدور لأسباب مالية في العام 1966 .

س 2/ كيف ترى وتقيم المشهد الثقافي الفلسطيني حاليا ؟

ج 2/ مشهد ثقافي متحفّز لمزيد من الانتشار والتجاوز. وثمة نتاجات أدبية لافتة في القصة والرواية والشعر وفي النقد الأدبي والدراسات الثقافية، وكذلك في الفن التشكيلي والمسرح والسينما. ربما كان المسرح يشهد تراجعًا إذا ما قورن بعهده الذهبي في ثمانينيات القرن العشرين. مع ذلك، ثمة أزمات وتعقيدات سببها الاحتلال الإسرائيلي وما يفرضه من حصار، وسببها كذلك ضعف الإقبال على قراءة الكتب الناتج عن عوامل شتى، والحاجة إلى مأسسة النشاط الثقافي ودعمه والاهتمام بالكتاب والفنانين وتوفير فرص كافية لديهم للإبداع. فالركض اليومي وراء رغيف الخبز يلتهم وقت الغالبية العظمى من المبدعين.

س3/ حدثنا عن روايتك " مديح لنساء العائلة"؟ هناك من يرى تناقضا ما بين عنوان الرواية وغلافها؟

ج 3/ لا أوافق على ذلك. ففي الرواية دفاع عن النساء، وفيها تعبير عن همومهن وعن ظلم المجتمع الذكوري لهن. ولا أعتقد أن وصف بعض سلبيات النساء يعتبر ذمًّا لهن، فالرواية تتعاطى مع نساء من لحم ودم، وليس مع أيقونات وتماثيل.

س4/ القارئ لرواية " مديح لنساء العائلة " يجد بها مساحات كبيرة من الوثائق ومرجعيات دينية ومسيحية وأحياناً يهودية" فهل تعد الرواية رواية تاريخية؟

ج 4/ ليست رواية تاريخية، ولم أكن بصدد التأريخ لمرحلة من حياة الشعب الفلسطيني. فالرواية تتحدث في الأساس عن الهموم الشخصية لنساء ورجال عاشوا في مرحلة تاريخية معينة، هي الفترة من بدايات الحرب العالمية الثانية إلى أوائل الثمانينيات من القرن العشرين. كانت الإشارة إلى بعض الوقائع التاريخية مجرد خلفية لموضعة شخوص الرواية داخلها.

س5/ هل كنت تتوقع للرواية الوصول للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية؟ 

ج 5/ بعد ظهورها في القائمة الطويلة ازدادت التوقعات لدي بوصولها للقائمة القصيرة، وقد صدقت توقعاتي. وكنت مسرورًا لذلك.

س6/ هل أنت راض عن ردود الأفعال عن نتائج الجائزة؟

ج 6/ تتنوع ردود الأفعال ما بين متحمّس للنتائج وما بين منتقد لها، وهذا أمر طبيعي يحدث دومًا، وفيه تعبير عن حراك يمكن اعتباره من ضرورات الحياة الثقافية.
س 7/ ماذا أضاف لك وصول الرواية للقائمة القصيرة ؟ 

ج 7/ أضاف لي مزيدًا من الأعباء على صعيد النشاط الثقافي: حوارات عديدة في المجلات والصحف وعلى شاشة التلفاز، ندوات في المراكز الثقافية حول مديح لنساء العائلة، وحول الجائزة، وإحساس أكبر بالمسؤولية تجاه روايتي القادمة
س8/ لقيت روايتك " مديح لنساء العائلة" حظوة كبيرة لدي أصناف مختلفة من القراء في مختلف أنحاء الوطن العربي. هل فاجأك ذلك الحضور للرواية ؟

ج 8/ أفرحني ذلك. ففي نهاية المطاف يرغب الكاتب في أن يرى كتابه منتشرًا على نطاق واسع، لعله يساعد على صياغة وجدان الأجيال الجديدة، وبما يسهم في خدمة شعوبنا العربية في تطلعها إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمن والأمان.

س9/ أحداث الرواية غير المتوقعة وتسلسلها المرن انقذاها من عنصر التكرار والرتابة. هل فطرة الابداع والموهبة وحدها القادرة على ذلك أم تراكمات خبرة الكاتب تساهم في هذا الأمر؟

ج9/ تتضافر مجموعة عوامل من أجل تجنب التكرار والرتابة، ومن أجل الوصول إلى صياغة فنية ممتعة ومقنعة. لتراكم الخبرة دور، وللجلد والمثابرة على الكتابة دور، ولنصائح الصديقات والأصدقاء الذي قرأوا الرواية وهي بعد مخطوطة دور.

س10/ في الرواية صراع بين الروح والعاطفة وترصد قضايا ومفاهيم عديدة عن الهوية والنضال والجنس والإرهاب وغيرها.. هل هو اختيار مقصود؟

ج10/ ليست المسألة في ما إذا كان هذا اختيارًا مقصودًا أم غير مقصود. المسألة تتعلق بالمنطق الداخلي للرواية، وسعيها لكي تعبر عن هموم الشعب الفلسطيني عبر رصد المسيرة الطويلة لإحدى العائلات المنبثقة من أوساط هذا الشعب، على النحو الذي يهب الرواية جدارتها وقابليتها لأن تقرأ وتؤثر في القراء.

س11/شخصيات هذه الرواية:" محمد الأصغر ، فليحان، جيزيل "البرازيلية"، منان عبداللات،" وغيرها, كم اقتربت من الحقيقة وشابهت شخصيات حقيقيةً؟

ج11/ هي في الأساس شخصيات تعبر عن مرحلتها التي عاشت في خضّمها، وعن النزوع إلى تخطي المرحلة والتبشير بحلم جديد. وهي شخصيات فنية مستمدة من واقع أعرفه، وثمة بعض عناصر واقعية في كل شخصية من هذه الشخصيات إلى جانب ما هو متخيّل، وهذا المتخيل ليس قليلاً على أية حال.

س12/ الرواية تركز على دور المرأة المهمش وبعض التحولات الإجتماعية المختلفة وهناك من يرى أنّ الروائيين يعمدون إلى تقديم المرأة في أعمالهم الأدبية على أنها جسد مشتهى، ننفذ من خلاله إلى عوالمنا الخفية... ما رأيك؟!

ج12/ لم يكن في ذهني وأنا أكتب هذه الرواية أن أعرض للمرأة على أنها جسد مشتهى. كنت معنيًّا بخلق نساء يعشن ظروفهن القاسية في مجتمع ذكوري، ويدافعن عن إنسانيتهن وعن حقهن في العيش الكريم على النحو الذي يعكس وعي كل واحدة منهن. وحين يبرز الجنس في الرواية فهو لا يبرز على حساب إنسانية المرأة واحترامها لجسدها، وإنما باعتباره عنصرًا من عناصر حياة الكائن البشري في وضع اجتماعي محدّد.

س13/ ألم يحدث وأن تورطت في تحميل إحدى الشخصيات قناعاتك الخاصة، فحملت البطل مهمة الذود عن أفكارك المخبأة ؟

ج 13/ حدث هذا في بعض قصص كتابي "صمت النوافذ" التي كتبتها عن الانتفاضة الأولى 1987 . حيث طغت الأيديولوجيا ووجهات نظري على بعض شخصيات القصص، ما أوقع هذه القصص في شيء من التكلف ومن التذهين الذي يحول القصة إلى فكرة. انتبهت إلى ذلك في ما بعد وصرت حذرًا تجاه فضاء الشخصية الذي يجب احترامه لكي تكون هذه الشخصية مقنعة للمتلقي.

في كل الأحوال، ثمة في ما أكتب شيئًا من أفكاري ورؤاي بالقدر الذي يحتمله النص الأدبي وينسجم مع منطقه الداخلي.

س14/ هل تتعبك الكتابة، هل هي فعلاً كما يصفها البعض كجلد الذات؟

ج 15/ تتعبني حين أنهمك في تفاصيلها، لأنها تحتاج إلى تركيز ذهني واستنفار للمشاعر وللذاكرة ولعناصر الخبرة التي تراكمت على مرّ الزمن، تتعبني وأنا أعيد النظر في ما كتبت مرّات ومرّات، وتبهجني حين تصل إلى القارئات والقراء فتدخل البهجة إلى قلوبهن وقلوبهم.

س15/ الرواية التاريخية أو التوثيق التاريخي كيف يمكن للأدب أن يخدم التاريخ من التزوير وخاصة في تلك الظروف السياسية المتغيرة؟

ج 15/ الرواية حتى وهي تعتمد على التاريخ ليست تاريخًا، وكذلك أي نص أدبي آخر. لكن، مع مرور الزمن، يمكن العودة إلى النص الأدبي والتعاطي معه باعتباره وثيقة دالة على بعض ملامح العصر الذي ظهرت فيه.

س16/ ما هي الإشكاليات التي من الممكن أن تقابل من يتصدي لكتابة رواية تاريخية من وجهة نظرك؟

ج 16/ لم أكتب رواية تاريخية ولم أفكر في ذلك. أعتقد أن أهم إشكالية على الروائي الانتباه إليها ضبط النسبة والتناسب بين الوقائع التاريخية والعناصر المتخيلة في نصه الروائي. كلما طغت الوقائع على مادة النص قلّ عنصر المتعة فيه.

س17/ هل ترى أنه توجد أزمة قراءة في الوطن العربي بشكل عام وخاصة الأدب؟

ج 17/ هذا مؤكد، ولا يحتاج إلى برهان. بإمكانك مراجعة الاستبيانات والتقارير حول القراءة في الوطن العربي، وبإمكانك أن تسأل الناشرين، وأن تنظر إلى الدائرة المحيطة بك في الحي السكني، وأن تلقي نظرة على المسافرين العرب في طائرة أو قطار أو حافلة لترى كيف أن القارئات والقراء قلة قليلة مع الأسف الشديد.

س18/ هل ترى أن الحريات العربية مازالت تعاني من القيود؟

ج 18/ نعم، هي كذلك. فالحريات ليست مجرد شعار، بل هي ممارسة لها أساسها في نظام الحكم وفي مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع.

ثمة قيود كثيرة على الحريات، ونحن بحاجة إلى تمرين متعدد الجوانب لنتقن التعامل مع الحريات ونعيشها على نحو صحيح.

س19/ ترجمت لك العديد من الأعمال لعدد من اللغات المختلفة. إلى أى حد حقق الأدب العربى وجوده عالميا؟

ج 19/ هناك حضور لبعض الكتاب العرب. مثلاً: نجيب محفوظ، محمود درويش، وأدونيس. وهناك حضور لكاتبات ولكتاب عرب كتبوا ويكتبون بلغات أجنبية
وثمة جهود فردية تسعى إلى تقديم الأدب العربي إلى العالم. أذكر في هذا الصدد مجلة "بانيبال" التي تشرف عليها مارغريت أوبانك وصموئبل شمعون. تقوم هذه المجلة منذ سنوات بالترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الانكليزية لمشاهد من روايات ولقصص وأشعار

س20/ هل وصلت إلى قناعة بأن الحكايات هي من يمنحنا المعنى الحقيقي للحياة؟ 

ج 20/ الحكايات هي السرد الشفاهي الذي يكرس فيه الشعب شيئًا من روحه ومزاجه وتجاربه في الحياة ، ثم يجري تدوين هذه الحكايات كي تطلع عليها الأجيال، لتساعدها على الكفاح من أجل أن يكون للحياة معنى، هذا المعنى الذي لا يكتمل إلا بحضور القيم الإنسانية النبيلة التي تجعل الحياة جديرة بأن تعاش

س21/ من آليات الكتابة إلى آليات النشر مسافة تبدو أولها تعب ممزوج بالمتعة وآخرها تعقيد وركض خلف ناشر كالسراب يختفي ليظهر من جديد ـ حدثنا عن رحلتك في الطريق إلى الناشر؟

ج 21/ حين بدأت الكتابة في ستينيات القرن العشرين، لم تكن في فلسطين والأردن دور نشر بمعنى الكلمة. ولذلك تأخر صدور مجموعتي القصصية الأولى "خبز الآخرين" إلى العام 1975، حين ظهرت منشورات صلاح الدين في القدس، وقامت بنشر هذه المجموعة

الآن توجد دور نشر في الأرض المحتلة، لكنها تصطدم بصعوبات وعراقيل يومية بسبب الإجراءات التعسفية، ومنها الحواجز التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على حركة الناس، وعلى انتقال الكتب عبر الحدود.

أنشر كتبي في فلسطين وفي بيروت وعمان، ولا أجد صعوبة في ذلك، رغم أن دخول كتبي إلى فلسطين يصطدم بالعراقيل نفسها التي وصفتها قبل قليل.

س22/ ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟

ج 22/ هي أهمية مؤكدة. حيث تتكامل أفكار الكاتب ورؤاه، وتتضافر وتغتني مع توالي الإنجازات.

س23/ ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ وهل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟

ج 23/ أعتقد أن للجوائز فوائد غير قليلة، فهي تحفز على الكتابة وعلى الإبداع، وتخلق حراكًا لا بد منه لتنشيط الإبداع ولتنشيط النقد الأدبي في الوقت نفسه.

بالطبع، لا يخلو الأمر من شطط هنا وهناك، إنما تبقى الآثار الإيجابية للجوائز أكبر بكثير مما تتسبب فيه أو تستدعيه من سلبيات.

س24/ ماهو جديدك في الفترة القادمة؟

ج 24/ أستعدّ، بعد أن استكملت وضع الملاحظات والتصورات، للشروع في كتابة روايتي الجديدة التي أتابع فيها مصائر عائلة العبد اللات، واستبطن في الوقت نفسه ملامح المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في السنوات الأربعين الماضية، سواء أكان ذلك تحت الاحتلال الإسرائيلي أم في الشتات، وذلك من خلال ما يتعرض له بعض أبناء العائلة وبناتها من مشكلات ومعاناة.

وأقوم في الوقت نفسه، بوضع اللمسات الأخيرة على كتاب عن تجربتي في الكتابة، تلك التجربة التي ابتدأت أوائل ستينيات القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى الآن، وكانت حصيلتها ما يقارب خمسين كتابًا للكبار وللصغار، وستة مسلسلات طويلة للتلفاز، وأربعة نصوص مسرحية، ومئات المقالات السياسية والأدبية.

الأهرام الثقافي- العدد 1019 - 29 / 10 / 2016