متى نتوقف عن التلقين الببغائي؟..

2016-06-23

متى نتوقف عن التلقين الببغائي؟..

لينا جزراوي

يعتقد الإنسان العربي أنه على حق دائماً، ويحاول جاهِداً أن ينقل لأولاده ما تعلّمه حتى ولو كان يُدرك ضمنياً أنه لم يعُد صالحاً لهذا الزمان، وأن أفكاره قد انتهت صلاحيّتها. وتدفع امرأة بابنتها لعالمها الخائِب والمُلّوث بالأفكار الغيبيّة الساذجة، عندما تكتشف أن ابنتها قد بدأت تُفكّر، وتبحث وتتساءل وترفُض.

في شرقنا؛ يُحمِّل الأب ابنه اسم أبيه، ويُحمّله معه أفكاره، ومُعتقداته، وأحقاده، وخيباته، وطموحاته الفاشلة، فعقله لا يقبل فكرة أن يكون ابنه مختلفاً عنه، ولسبب آخر أيضاً؛ وهو أن نرجسيّته تدفعه ليصنع خلوده من خلال ابنه. هكذا يُقرّر الأبوان أن يضعا أولادهم في قوالِب جامدة، ويُقاومان فكرة أن يخلق الأبناء أفكارهم الخاصة ويختبروها، بحجج بالية مثل «إكمال المسيرة»، أو متابعة التاريخ «المجيد» الذي لا يُشبِه المجد في شيء.

لقد تعطّلت عقولنا عن العمل مُبكّراً بفضل ما حملناه من أفكار وتصوّرات قبليّة، خُلقنا لنجدها تنتظرنا، عشّشت في عقولنا حتى آمنّا بها وكأنها المُطلق الوحيد في هذا الكون. مُعتقدات وثوابِت انتهى زمانها، ومع ذلك نرفض أن نعترِف، ثم نعيد تعطيل عقول أبنائنا مُبكّراً كما فعل بنا أجدادنا، فنحن نعرف مصلحتهم أكثر منهم، كما كان يقول لنا الأقدمون، ونسقيهم من كأس تجرّعناه، واعتقدنا أنه الأفضل، لأننا لم نذُق طعم كأس آخر. وإلا لماذا حتى اليوم ثمة أخ يتسلّط على أخته ويتحكّم في مفاصل حَياتها؟، ولماذا نشهد شباباً صغار السنّ يقتلون قريباتهنّ بذريعة الشرف؟، وكيف يقبل عقلي أن طبيباً شابّاً مُقتنِع تمام الاقتناع، بأن ثمة سِحراً مدفوناً في مكان ما، يؤخّر أخته عن الزواج، ويذهب بنفسِه إلى شيخ ليفكّ السحر؟!.

نحن شعوب مُصابة بعنجهية الماضي، نرجسية نستخدمها لقمع استقلالية أبنائنا عمّا حملناه من تخلف ورجعية، ونقاوم بشراسة التحديث الذي يسعى إليه الجيل الجديد، ونعيد على أسماعِهم التخلّف الذي سمعناه من أجدادنا. وتكون النتيجة أن تاريخنا يُعيد نفسه، ونبقى مكاننا ندور مثل «حمار الغرّاف»، والعالم من حولنا يتقدّم. متى نعترِف بأن ثمة زمناً جديداً على أبنائنا أن يعيشوه، وأن عليهم أن يصنعوا مجدهم الخاص، من تجاربهم الخاصة، وأن الاطّلاع على تجارب المجتمعات المتقدمة، لن يسلخنا عن حضارتنا طالما نعي ما يلزمنا منها. لماذا نخاف الجديد؟! لماذا نخاف العقل؟! متى نغادِر كهفنا المظلم ونرى العالم على حقيقته، بدل الاكتِفاء بظلال الحقيقة، وليس بالحقيقة ذاتها؟!.

مجرد أفكار وتساؤلات راودتني اليوم وأنا أستمِع لببّغاء يُكرر ما كان يقوله له والده، وجدّه، وجد جدّه، قبل قرن ونيّف، لكنه مازال حاضِراً في ذهنه، وفي سلوكه، ومازلت أقول: إننا لن نتحرر ما لم يتحرر العقل فينا من مُخلفاته الماضية.