المقاومة المدنية:
مدارس العمل الجماهيري وأشكاله
للدكتور عبد الهادي خلف
نعيم ناصر

2016-05-10

المقاومة المدنية:

مدارس العمل الجماهيري وأشكاله

للدكتور عبد الهادي خلف

نعيم ناصر

أثارت انتفاضة الأقصى التي اندلعت في العام 2000 جدلاً في الساحة الفلسطينية بين مؤيد لعسكرة الانتفاضة، وبين نابذ لهكذا فعل، مفضلاً عليه النضال الجماهيري أو المقاومة المدنية.  وما عزز هذا الجدل في صفوف القوى الوطنية الفلسطينية، استخدام الاحتلال الإسرائيلي أساليب القتل المتعمد للمنتفضين الفلسطينيين، من ذخيرة حية وقذائف صاروخية ومدفعية، عدا عن الوسائل التقليدية الأخرى من وسائل القمع.  ولكل فريق تبريراته، وليس هنا مجال مناقشة هذه التبريرات.

ولم يكن هذا الجدل في الانتفاضة الأولى، بالحماسة نفسها، التي أثارتها انتفاضة الأقصى، وكاد أن يقتصر على الفصائل الفلسطينية، التي كانت تتخذ من الخارج مقاراً لقياداتها.  وقد دفعت المكاسب السياسية، التي حققتها الانتفاضة الأولى، على الصعيدين العربي والدولي، والعزلة التي عانتها اسرائيل جراء همجيتها في قمع أبناء الشعب الفلسطيني، عدداً من الكتاب الى الترويج لأسلوب العمل الجماهيري والمقاومة المدنية في النضال ضد الاحتلال، إما من خلال المقالات والدراسات، أو من خلال الكتب الجادة.  ومن هؤلاء الكتاب الدكتور عبد الهادي خلف، الذي ألف كتاباً في هذا المجال تحت عنوان: "المقاومة المدنية: مدارس العمل الجماهيري وأشكاله".

والدكتور خلف كاتب بحراني وكان أحد قادة جبهة التحرير البحرانية عاش في بيروت، وعمل مستشاراً للقيادة الفلسطينية، وكان قريباً من قادة الأحزاب والفصائل الفلسطينية، وبقي في العاصمة اللبنانية حتى الاجتياح الإسرائيلي لهذا البلد العربي عام 1982، فغادره مع من غادر من كوادر م.ت.ف، واستقر في قبرص لسنوات عدة، ثم غادرها الى السويد ليعمل مدرساً في احدى جامعاتها. وللكاتب مشاريع بحثية اجتماعية عديدة.

والكتاب سالف الذكر سعى الى مناقشة ظاهرة "العمل الجاهيري" وأشكال استخدامها كأداة نضالية من أجل التغيير. وضمن هذا الإطار فهو يدعو الى التمعن في الإمكانات الهائلة الكامنة في مختلف أشكال العمل الجماهيري بهدف السعي للاستفادة منها في النضال متعدد الأشكال الذي تخوضه الجماهير العربية من أجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطية.

وفي مناقشته لإشكالية العنف واللاعنف يعتبر المؤلف أن المفاضلة بينهما عمل سفسطائي لا جدوى منه، ما لم يكن مبنياً على تحليل دقيق لكل وضع مطلوب تغييره وللمعطيات الخاصة به وبأطرافه والخيارات المتاحة لها.  ففي وضع تاريخي معين يكون العنف، بأشكاله، هو الخيار الوحيد المتاح أمام قوى التحرر الوطني والتغيير الاجتماعي، بينما يكون العنف، نفسه، في ظرف تاريخي آخر، خياراً غير عقلاني، بل سبيلاً للتدمير الذاتي.

وينطلق المؤلف من عرض للمدارس المختلفة في حقل نظرية النزاع والمقاومة، ليعرض عدداً من التجارب التاريخية لاستخدام العمل الجماهيري، بما في ذلك نضال الشعب الهندي من أجل الاستقلال، ونضال حركة الحقوق المدنية للسود الأميركيين، والمقاومة لنظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا.  ويتناول الكاتب نماذج من تجارب المقاومة المدنية في المنطقة العربية، بما في ذلك نجاح الحركة الجماهيرية في السودان في اسقاط الحكم العسكري مرتين (1964 و 1984) ودور الحركة الجماهيرية في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

والكتاب يعرض المؤثرات الفكرية المختلفة التي أسهمت في اعطاء العمل الجماهيري مضامينه الراهنة، ومن بينها فلسفة اللاعنف كما طورها غاندي ومارتن لوثر كنغ، وتجارب النضال المطلبي للطبقة العاملة، وانعكاسات نمو الحركة العالمية المناهضة لسباق التسلح.

ويناقش الكتاب عدداً من الأطروحات السائدة في مجال البحث العلمي حول العمل الجماهيري وحول المقاومة المدنية، وخصوصاً ما يتعلق بالمبادئ الاستراتيجية، والتكتيك، ومستلزمات بدء مقاومة مدنية وشروط استمرارها وانتصارها.

يتكون الكتاب من سبعة فصول، يتعرض الفصل الأول منها، كمقدمة نظرية، الى الترابط العضوي ما بين سعي كل مجتمع بشري لتحقيق الاجماع وبين بروز النزاعات الاجتماعية، باعتبار أن الأول ضرورة لاستقرار المجتمع واعادة انتاجه مادياً ومعنوياً، وباعتبار الثاني ضرورة لتطوره واستمرار تقدمه.  وفي سياق الفصل جرت مناقشة مفهومي الإرغام والتوافق كأسلوبين رئيسيين من أساليب تسوية النزاعات الاجتماعية.  كما جرت مناقشة الإجراءات المختلفة التي يتوصل المجتمع عبرها الى تحقيق الإجماع.

ويعرض الفصل الثاني لمحة تاريخية عن تطور ظاهرة العمل الجماهيري واستخداماتها.  ويورد أمثلة من تجارب تاريخية برز فيها العمل الجماهيري كأداة من أدوات التغيير الإصلاحي والثوري على حد سواء.

أما الفصل الثالث فيتعرض لمناقشة مفهوم "العمل الجماهيري" بهدف تحديد معانيه المتداولة، وكذلك تحديد مصادر التأثير وأشكال بروزها في التيارات الفكرية المختلفة التي يتبناها الباحثون العاملون في هذا الحقل.

وفي الفصل الرابع جرت مناقشة المقاومة المدنية، كشكل من أشكال العمل الجماهيري.  وكذلك مناقشة اشكالية العنف واللاعنف من منظور أن المفاضلة بين الأسلوبين لا يمكن أن تكون مفاضلة مطلقة، بل لا بد أن تقوم على تقييم علمي لمعطيات كل حالة وكل ظرف تاريخي.

ويعرض الفصل الخامس الاستراتيجيات والتكتيكات المطروحة أمام المقاومة المدنية مع عرض لأوجه تشابهها واختلافها مع تلك الاستراتيجيات والتكتيكات المتداولة في التراث العسكري.

ويقدم الفصل السادس تلخيصاً ومناقشة لآراء عدد من الباحثين المعنيين بأساليب عمل المقاومة المدنية وخططها ضمن ما يمكن تسميته بمستلزمات بدء حركة مقاومة مدنية ذات مصداقية.

أما الفصل السابع والأخير فيتضمن استنتاجات ذات علاقة مباشرة ببناء حركة مقاومة مدنية تسعى لإحداث تغيير جذري في المجتمع.  وأبرز هذه الاستنتاجات يمكن اختصارها بالآتي:

  1. المقاومة المدنية، مثلها مثل أي عمل من أعمال التحدي المنظم، لا يمكن أن تقوم وأن تستمر وتتقدم باتجاه تحقيق أهدافها من دون تخطيط وتحضير يستند الى تحليل واقعي للأوضاع السائدة في المجتمع  وميدان القوى والاتجاهات المحتملة لتطوره.
  2. المبادرة ضرورية لاندلاع المقاومة المدنية، كما هي ضرورية لاستمرار نشاطها وتوسيع اطار جمهورها.
  3. يشكل تحديد الظرف التاريخي الملائم لاندلاع المقاومة أحد المفاتيح الرئيسية لنجاحها.  فكما أن التعجل في اعلان المبادرة قاتل لاحتمالات نجاح المقاومة المدنية، فان التلكؤ في اعلان المبادرة قاتل أيضاً.
  4. يشكل تحديد المجالات، التي يستهدفها نشاط المقاومة المدنية، عنصراً اساسياً آخر في نجاح اندلاعها واستمرارها.  وتبدو أهمية هذا العنصر أكثر وضوحاً في بداياتها الأولى.
  5. لا يمكن أن يبدأ نشاط المقاومة المدنية دون وجود حد أدنى من التنظيم.
  6. يعتمد اندلاع المقاومة المدنية، كما يعتمد استمرارها، على قيام التنظيم القيادي بنشاط دؤوب ومستمر في مجال التوعية بمساوئ الوضع القائم، وبالبدائل التي تطرحها حركة المقاومة المدنية.
  7. تؤكد جميع التجارب التاريخية على أن مصدر قوة أي حركة من حركات المقاومة المدنية هو وحدتها وتماسك صفوفها في جميع المراحل التي تمر بها. فبدون هذه الوحدة يصبح من السهل الإجهاز على هذه المقاومة وانهاء احتمالات نموها.

ويبقى أخيراً أن نشير الى ان الكتاب يقع في 188 صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت في عام 1988.